Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الجاليات الأوربية في مصر في عصر سلاطين المماليك 648-923هـ/1250-1517م
الناشر
نجلاء مصطفى عبدالله شيحة
المؤلف
شيحة، نجلاء مصطفى عبدالله
الموضوع
مصر - عصر المماليك
تاريخ النشر
2007
عدد الصفحات
290ص
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 296

from 296

المستخلص

إن الظروف التىأحاطت بدولة المماليك منذ نشأتها فى منتصف القرن السابع الهجرى ـ الثالث عشر الميلادى ـ جعلها فى حالة استنفار دائم سواء من المخاطر العسكرية المتمثلة فى الحروب الصليبية، أو الحصار الاقتصادى الذى حاولت البابوية فرضه عليها، إذ كان من الواضح أن السيطرة على الشرق كله لن تتأتى إلا بإضعاف تلك الدولة والقضاء، عليها لذلك إعتمدت دولة المماليك على الولاء المطلق لجيشها والمحافظة عليه كقوة عسكرية لا يستهان بها لكن ذلك لم يكن ليتحقق بدون سياسة اقتصادية تحافظ على ثراء الدولة من أجل الإنفاق على القوة العسكرية وقد أدرك سلاطين المماليك منذ البداية أهمية دعمهم للتجارة الخارجية، وجذب الجاليات الأوربية لمباشرة التجارة مع مصر لما فى ذلك من فوائد جمة لطرفى العلاقة، فعمد السلاطين على إظهار الترحيب بهؤلاء الجاليات وحسن معاملتهم لضمان إستمرار توافدهم على السلطنة، وزبادة أعدادهم، ومن هنا لجأت السلطات المملوكية إلى عقد المعاهدات مع دول تلك الجاليات، بما يخدم أهداف الدولة المملوكية من ضمان تدفق الأموال عليها، وكذلك استمرار الحصول على المواد الحربية المختلفة، وفى ذات الوقت، فإن الدول الأوربية قد رحبت بعقد تلك المعاهدات، لما جنته جالياتها فى مصر من أرباح طائلة، فأصبح السفر إلى مصر هو طريق الثراء لأبناء تلك الدول .
ومن النتائج التى أسفرت عنها الدراسة: إن المصالح التجارية للدول الأوربية وضغوط جاليتها الموجودة فى مصر كان لها اثر كبير فى فشل محاولات البابوية لفرض الحصار الاقتصادى على مصر، إذ أن تلك الجاليات عمدت، إما على تجاهل تلك القرارت من الأساس، أو أنها حاولت استرضاء البابوية للسماح لهم باستمرار التجارة مع مصر بل إن البابوية ذاتها قد حققت فى بعض الأوقات أرباحا من جراء استصدار تصاريح بالتجارة مع مصر، ومن ثم فإنها توسعت فى خرق الحظر الذى فرضته مما أدى إلى سقوط قرارات الحظر لكثرة ما ورد عليها من إستثناءات أو تجاهل .
كما كان للجاليات الأوربية فى مصر دور فى الحد من الهجمات التى يشنها القراصنة على مصر، إذ كانت مصالحهم فى مصر تتضرر من تلك الأعمال، حيث إستخدمهم سلاطين المماليك كوسيلة للضغط على القوى الأوربية التى تقوم بالهجمات على السواحل والسفن الإسلامية، إذ كانت الدولة المملوكية تتخذ إجراءات انتقامية من تلك الهجمات ضد الجاليات الأوربية الموجودة فى مصر، سواء بالقبض عليهم، أوبمصادرة أموالهم وتجارتهم لتعويض خسائر المسلمين الناجمة عن جراء تلك الهجمات، ومن ثم فإن تلك الجاليات لم تمثل أهمية إقتصادية فقط لدولة المماليك، وإنما كانت لهم أهمية عسكرية حيث إستخدمتهم كدروع فى مواجهة تلك الهجمات، مما كان سببا فى إيقاع العذاب بأفراد تلك الجاليات بل وقناصلهم فى بعض الأحيان .
لكن تغير الأوضاع فى أوربا خلال القرنين الرابع عشر، والخامس عشر، جعل الجاليات الأوربية تسعى إلى زيادة تقاربها مع دولة المماليك التى تجاوبت مع هذه المحاولات بتسهيل وجود تلك الجاليات، ومنحهم المزيد من الامتيازات التجارية، وكان البند الرئيسى والأهم فى المعاهدات المعقودة مع دول تلك الجاليات، هو بند الأمان الذى كانت تحرص الجاليات على الحصول عليه فى ظل الأوضاع المتقلبة بين الغرب والعالم الإسلامى، التى أخذت طابع السلم تارة، والعداء تارة أخرى، وإن كان الحصول على هذا البند لم يوفر الأمان دائما للجاليات، إذ كان مرتبطا دائما بمشيئة السلاطين .
أما النتائج الاقتصادية التى خرجت بها الدراسة: هى إن الرغبة فى تحقيق الأرباح، والعوامل المادية هى محرك العلاقات بين الدول والأفراد، وأن إستمرار تلك العلاقات مرهون بتحقيق الربح وتعظيمه، وهو ما إستغلته دولة المماليك سواء بتخفيض الضرائب والجمارك، أو منح الإعفاءات لبعض السلع أو الجاليات، مما أوجد تنافسا بين الجاليات الأوربية للفوز بتلك الامتيازات وعمدت كل جالية ألا تسبقها جالية أخرى إلى امتياز أو تنفرد به .
ومع ظهور نظام الاحتكار التجارى من جانب بعض سلاطين المماليك بدأت أوضاع الجاليات الأوربية فى التبدل من حال إلى حال، إذ بدأت أعدادهم فى الإنخفاض حيث غادر العديد منهم الإسكندرية هربا من نظام الاحتكار الذى أثر على أرباحهم، خاصة مع تدهور العملة الإسلامية، وفشل سلاطين المماليك فى إنقاذها أمام الدوكات البندقية، مما تسبب فى الانهيار الاقتصادى للدولة والذى زاده حركة الكشوف الجغرافية ليبلغ ذروته باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح .
ومن الأمور الملاحظة فى الدراسة: اهتمام دولة المماليك بالتجارة على حساب الصناعة، طلبا للمكسب السريع، وكان لتجار الجاليات الأوربية دور فى ذلك بجلب منتجاتهم إلى مصر وإمدادها بما تحتاج إليه، وبالتالى لم تظهر حاجة السلطنة للصناعة، وهوما كان أحد عوامل انهيار الدولة بعد إنهيار مكانتها التجارية، وهو ما سهل إنقضاض الدولة العثمانية عليها.
أما نتائج الدراسة من الناحية الإجتماعية للجاليات الأوربية فى مصر عصر سلاطين المماليك، فتشير إلى أن الجاليات الأوربية بالإسكندرية مثلت دولا أوربية صغيرة مقيمة فى الفنادق الخاصة بها تمارس حياتها اليومية التى اعتادتها بكامل الحرية داخل تلك الفنادق، يحكمها فى ذلك نظمها الخاصة بها، ويدير شئونها قنصلها، يعاونه مجموعة يختارها لخدمة الجالية، ويتبين لنا من الدراسة، أن الفندق كان يعتبر المحور الرئيسى لحياة الجاليات الأوربية فى مصر سواء الاقتصادية أوالاجتماعية بل والقضائية فى بعض الأحيان، هذا بالإضافة إلى وجود أعداد أخرى من تلك الجاليات استقرت فى بيوت مستقلة بها، مما يؤكد على أن بعض أفراد تلك الجاليات قد اندمجوا فى النسيج العام لدولة المماليك، مما أسفر عن تبادل العادات والتقاليد بين هؤلاء الجاليات، والشعب المصرى وكذلك تداخل لغة كل طرف فى لغة الآخر، كما تطور الأمر إلى تزاوج بعضهم من نساء الشرق، وخاصة ممن يدينون بالمسيحية، هذا بالإضافة إلى تأثر بعض المسلمين بالملابس الأوربية، وخاصة تلك الواردة من فلورنسا بل وأصبح كبار رجال الدولة يرتدون الملابس الأوربية ذات الأثمان المرتفعة، وينسحب ذلك أيضا على اعتياد كل طرف على أطعمة الآخر وتبادل الخبرات الطبية بينهما .
ومن هذا العرض المختصر لبعض نتائج الدراسة يتبين لنا أن الاحتكاك بين الشعوب المختلفة يؤدى إلى تبادل الثقافات الفكرية والاجتماعية، وظهور أفكار جديدة تسهم فى تطور الدول والحياة الإنسانية عامة .