الفهرس 
التوازي في الاصطلاحيوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام
 |  | from | 245 |  |  |
| | | from | 245 | | |
المستخلص
تعددت طرق دراسة النص الأدبي ومناهجه منذ بداية القرن العشرين، واختلفت هذه المناهج فيما بينها، فهناك مناهج تدرس النص انطلاقًا من شكله ولغته، ومناهج تبحث عن الكشف عن المضمون الاجتماعي والأيديولوجي، في حين تدرس أخرى الأدب بوصفه شكلا جمالياً يحمل بداخله قيماً اجتماعية وفكرية، وأخرى تركز على القارئ ودوره الفعال في إنتاج معنى للنص.
ويعد التوازي من المفاهيم اللسانية الحديثة، ولكنه انتقل من ميدانه الأصلي، وهو ميدان الهندسة إلى حقل الأدب بعامة ومجال الشعر خاصة، شأنه في ذلك شأن كثير من مصطلحات النقد والأدب التي استعارها من ميادين العلوم المختلفة( ).
وقد ارتبط التوازي بـ رومان جاكبسون ”R.Jakobson” مؤلف التوازي النحوي، وصاحب العديد من الدراسات والمقالات المختلفة، التي ساهمت في إلقاء الضوء على مفهوم التوازي( )، فنظراً للمكانة التي يحتلها التوازي في نظرية جاكبسون يحلو للكثيرين وسمة بصاحب نظرية التوازي”
وقد توخيت ديوان ابن زمرك الأندلسي( )موضوعاً لدراسة التوازي؛ وذلك لما لاحظته من بروز لأشكال التوازي في الديوان.
وقد تعددت تعريفات التوازي فهناك من قال:
إن التوازي عبارة عن تماثل أو تعادل المباني أو المعاني في سطور متطابقة الكلمات، أو العبارات القائمة على الازدواج الفني وترتبط ببعضها، وتسمى عندئذ بالمتطابقة أو المتعادلة أو المتوازية، سواء في الشعر أو النثر، خاصة المعروف بالنثر المقفى أو النثر الفني، ويوجد التوازي بشكل واضح في الشعر، فينشأ بين مقطع شعري وآخر، أو بيت شعري وآخر”( ).
ونلاحظ من خلال هذا التعريف أن التوازي يوجد في الشعر والنثر خاصة النثر الفني، ولكنه في الشعر أوضح.
وقد أشار ج.م.هوبكنز Hopkins بأنه:
تماثلات فنية معروفة، خاصة في الشعر اليهودي الذي هو عبارة عن سطور متلاحقة تعرف الصلة بينها بترديد فقرة منها، أو بتفصيل عبارة مجملة تذكر في الشطر الأول وتشرحها السطور التالية، أو بالاستجابة بين الشرط والجواب وبين الصلة والموصول، لتعليق المعنى المنتظر على نحو يشبه تعليق السمع بانتظار القافية( ).
وهناك من عرفه بـ”أنه بمثابة متواليتين متعاقبتين أو أكثر لنفس النظام الصرفي واللغوي المصاحب بتكرارات وإيقاعات صوتية أو معجمية ودلالية”( ).
وبالرغم من تعدد التعريفات الخاصة بالتوازي، فإنها تلاقت جميعها في نقطة اشتراك، وهي وقوعه بين طرفين تربط بينها علاقة تماثل، أو تخالف، أو تضاد، وهذه العلاقة تسهم في إثراء النص بالانسجام والتماسك والإيقاع الموسيقي المتميز.
والتوازي يحيل النص الشعري إلى فيضان إيقاعي يكون أكثر تأثيرا في المتلقي، ومرد ذلك التأثير هو قيام التوازي على مبادئ معينة مثل الاختيار والدقة والمساواة.
فالتوازي إذا مفهوم حديث؛ وأن كان قد عرف عند علماء البلاغة، وإن لم يكن بتلك المدلولات الحداثية؛ فقد تحدث ابن رشيق في كتابه العمدة والسجلماسي في كتابه المنزع البديع وقدامة في كتابه نقد الشعر عن ضروب التوازي، ولكن جاءت هذه الضروب مجملة دونما تفصيل من خلال دراستهم لعلم البديع؛ حيث تحدثوا عنها في أثناء تفصيلاتهم عن السجع وأنواعه ومن ذلك قول قدامة: وأحسن البلاغة الترصيع والسجع واتساق البناء واعتدال الوزن...( ).
ويلاحظ أن التكرار يشكل ركيزة أساسية في أبنية التوازي، ولا يعني ذلك أن التوازي هو التكرار؛ إذ إن التوازي تكرار غير كامل، فالتكرار ناتج عن إعادة وحدات صوتية لتوليد المعنى، في حين أن التوازي يتجاوز ذلك إلى التراكيب والدلالات الناتجة عنها، ليصبح وحدة دلالية تتعلق بألفاظ بعضها ببعض مُشَكِّلَةً لنص ما( ).
وباستقراء ديوان ابن زمرك نتبين أن التوازي قد هيمن على شعره، وتعددت أشكاله بين توازٍ صوتي وصرفي ونحوي ودلالي، وسوف نتحدث عن هذه الأشكال باستفاضة مع التطبيق.
مادة الدراسة:
إن مادة الدراسة هي ديوان ” ابن زمرك الأندلسي” البقية والمدرك من شعر ابن زمرك، هذا الديوان يحوي 468 قصيدة وعدد أبياته 7500 بيتا.
أسباب اختيار الموضوع:
أبرز الأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع:
1- أنني أردت الوقوف على مفهوم التوازي؛ لما له من أهمية في الدرس الأسلوبي؛ إذ إنه من أهم عناصر التشكيل الشعري.
2- محاولة تقديم دراسة ذات مفاهيم جديدة، والإسهام في تدعيم الدراسات ذات التوجه التطبيقي.
3- وقد وقع اختياري على ديوان ابن زمرك مجالاً للتطبيق؛ حيث اتضحت ظاهرة التوازي بشكل واضح في الديوان، وهذا ما تجلى منذ عنوان الديوان” البقية والمدرك من شعر ابن زمرك”.
4- وقد نبهني إلى هذا الموضوع سعادة الأستاذ الدكتور محمد دياب غزاوي، فلسيادنه جزيل الشكر لما قدم للباحثة من أياد بيضاء.
منهج الدراسة:
منهج الدراسة هو المنهج الأسلوبي المعزز بالاستقراء والإحصاء؛ إذ إن الأسلوبية بالرغم من تعدد اتجاهاتها، فهي تعني بدراسة النص” الخطاب الأدبى” من منطلق لغوي، أي دراسة النص الأدبي في ذاته، بمعزل عن كل ما يتجاوزه من اعتبارات تاريخية أو اجتماعية أو نفسية، وقمت في دراستي بالاتكاء عليه، إضافة إلى المنهج الاستقرائي؛ حيث تتبعت الظاهرة، والوقوف على الشواهد والنماذج الشعرية التي تبرز هذه الظاهرة، وذلك من خلال شعر ابن زمرك.
الدراسات السابقة:
هناك عدة دراسات تناولت شعر ابن زمرك، لكن جميعها تختلف عن دراستي، حيث لم تفرد دراسة مستقلة بعنوان التوازي عنده.
1-ظواهر أسلوبية في شعر ابن زمرك: رسالة ماجستير مقدمة من الباحث/ عبد الرحمن بن يحيى بن حسين الحازمي/ 2014، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى.
2- سعد محمد العزايزه، شعر النقوش عند ابن زمرك، دراسة موضوعية وفنية، مجلة الجامعة العليا بالجامعة الإسلامية، غزة فلسطين، 2005.
3-شعر ابن زمرك وموشحاته.جمع وتوثيق ودراسة رسالة دكتوراة، للباحث/ منى ربيع بسطاوي، جامعة جنوب الوادي، 2000.
4-أثر المتنبى في أشعار ابن زمرك وابن هانئ، رسالة دكتوراة / عيسى بن إبراهيم فارس، جامعة تشرين 1990م.
5-حياة وآثار ابن زمرك شاعر الحمراء، رسالة دكتوراة، حمدان حجاجى، معهد اللغة والآداب، جامعة الجزائر، 1985.
6-موشحات ابن زمرك، معجم ودراسة دلالية، رسالة ماجستير، الزبير القلي، جامعة القاهرة، كلية الآداب 1986م.
7-جماليات التحليل الثقافي، وتزييف الخطاب في شعر ابن زمرك، نزار جبريل السعودي، مجلة اتححاد الجامعات العربية للآداب، المجلد الثالث عشر، ع2، محرم، 1438.ه، أكتوبر 2016م.
8-دراسات في شعر الخطاب السياسي الأندلس عصر المرابطين والموحدين، محمود شاكر، وفي هذه الدراسة قام الباحث بتطبيقها على شعر ابن زمرك.
9-الصورة الفنية في شعر ابن زمرك وموشحاته، محمد رمضان عبد الوهاب، رسالة دكتوراة بكلية الآداب، جامعة الأزهر، 1438ه، 2017م.
10-التكرار في ابن زمرك أسبابه ومظاهره، سعيد مسفر المالكي، جامعة الملك عبد العزيز الآداب والعلوم الإنسانية ” 2010”.
11-ظواهر سلبية في شعر ابن زمرك – عبد الرحمن ابن يحيى بن حسين، رسالة ماجستير جامعة أم القرى 2014م.
12_ القيم الشعرية في شعر ابن زمرك ”دراسة فنية”، م.د. أفراح علي عثمان، جامعة بغداد كلية اللغات، مجلة الاستاذ، ع15، 2015م.
13_ التناص الشعري في شعر ابن زمرك، دراسة تحليلية في نماذج مختارة، آيات محمد أمين، المجلد 46، ع2، 2019م.
وهذه الدراسات تختلف عن دراستي، باستثناء دراسة واحدة، وهي الظواهر الأسلوبية في شعر ابن زمرك فقد تحدثت عن التكرار.
وقد أفادت الدراسة من كتاب أستاذنا الدكتور/ محمد دياب غزاوي ” البنيات المتوازية في قصيدة الآداب والسنة للشاعر عبد الملك الأندلسي”، وستعتمد الدراسة على المنهج الذي سار عليه أستاذنا كاملا على طول الدراسة.
خطة الدراسة:
تتألف الدراسة من أربعة فصول، تسبقها مقدمة وتمهيد، وتعقبها خاتمة وثبت للمصادر والمراجع وجاءت على النحو التالي:
1-المقدمة:
ألقت الضوء على موضوع الدراسة بشكل عام، كما تناولت مادة الدراسة، وأسباب اختيار الموضوع، والمنهج، والدراسات السابقة، وخطة الدراسة.
2-التمهيد:
لمحة عن الشاعر وحياته: