الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص قامت دولةُ القانون على أنقاضِ النِّظام الاستبداديِّ الذي عانت البشريَّةُ من ويْلاتهِ لسنين طوال، حيث كان من أهمِّ الأسسِ التي قامتْ عليها الأنظمةُ الدِّيمقراطيَّةُ هو دستورٌ شاملٌ يُنظِّم كافَّةَ الحقوقِ والحُريَّاتِ التي كانت مسلوبةً في ظلِّ الأنظمةِ الاستبداديَّةِ التي سبقتْ دولة القانون، حيث لم يكُنْ إلا نظامٌ واحدٌ عادلٌ وهو النِّظامُ الإسلاميُّ الذي استندَ إلى القرآنِ الكريمِ دستورِ البشريَّةِ جمعاء. وحيث إنّ الدُّستورَ يُعدُّ بمثابةِ الشَّرعيَّة في دولةِ القانون الحديثة، فهو أصلُ كلِّ نشاطٍ قانونيٍّ يُمارس داخلَ الدَّولة، فهو الذي يعلو على هذه الأنشطةِ وهو قاعدةُ الأساسِ التي يرتكزُ عليها النِّظامُ القانونيُّ. وما يُميِّز الدَّولةَ القانونيَّة هو مبدأ المشروعيَّة الذي يسودُ فيها، والذي يَعني في مفهومهِ الواسع الخضوعَ للقانون، أي خضوع السُّلطاتِ الحاكمةِ في الدَّولةِ للقواعدِ القانونيَّةِ بجميع أنواعها، مع وجوب احترامِ ترتيبٍ معيَّنٍ بين هذه القواعدِ والاختلاف بينها في القيمةِ والقوَّةِ والدَّرجة، ويُحدِّد هذا الاختلاف بين هذه القواعدِ مبدأً مهمًّا هو مبدأ تدرُّجِ القواعدِ القانونيَّة وبناءً على ذلك فإنَّ سلطاتِ الدَّولة تخضعُ للقواعدِ القانونيَّةِ بحسَبِ تدرُّجِ وقوَّةِ هذه القاعدة؛ وذلك لكون هذه القواعدِ ليست بذات الدَّرجةِ والقوَّة، بل تُقسَّم أنواعًا متدرِّجةً من حيث القيمةُ والقوَّة، بحيث تخضعُ القاعدةُ الأدنى للقواعدِ التي تعلوها بالقيمةِ القانونيَّةِ والقوَّة؛ وذلك بحسَبِ القواعدِ التي تُنظِّمها من خلال نصوصها، وقد تربَّع الدُّستورُ ””القانون الأساسي”” على قمَّةِ هذا الهرمِ القانونيِّ للقواعد القانونيَّة داخل الدَّولة، ومن ثم القانون العاديُّ الذي ينبثقُ عن السُّلطةِ التَّشريعيَّةِ صاحبةِ الاختصاص الأصيل، ومن ثم الأنظمة أو اللَّوائح التي تضعُها السُّلطةُ التَّنفيذيَّة، وعليه فإنَّ كافَّة القوانين والأنظمةِ واللَّوائح يجب أن تلتزمَ بأحكامِ القواعدِ الدُّستوريَّة وأن لا تُخالفها، إلا أنَّ مبدأ علوِّ الدُّستورِ يغدو بلا مراءٍ مجرَّدَ ألفاظٍ، بل مجرَّدَ هَباء، لو أنَّ مختلفَ هيئاتِ الدَّولةِ استطاعت أن تنتهكَ حرمتَه دون أن يكون ثمَّة جزاءٌ على ذلك الانتهاكِ لحرمةِ المبدأ. ولقد جرى التَّساؤلُ في ظلِّ مبدأ المشروعيَّةِ وعلوِّ القواعدِ الدُّستوريَّةِ عن الآليَّاتِ التي تكفل احترامَ هذا المبدأ والتزام كافَّةِ سلطاتِ الدَّولة بالقواعد القانونيَّةِ التي ينظِّمها الدُّستور؛ ممَّا حدا بالدُّول ذات الدَّساتير الجامدة للبحثِ عن الوسيلةِ أو الوسائل التي تتكفَّل بتحقيقِ ذلك المبدأ، حيث تباينت الدُّولُ بهذا الخصوصِ إلى اعتناقِ الوسيلةِ الأفضل بحسَبِ نظامِها القانونيِّ، وعهدت إليها بأمرِ الرَّقابةِ على مبدأ علوِّ الدُّستورِ واحترام قواعدِه وعدم الخروجِ عنها، ونتيجةً لهذا التَّباين فقد ظهرت عدَّةُ وسائلَ من أهمِّها ما يُسمَّى بالرَّقابةِ السِّياسيَّة، والتي تُعدُّ فرنسا مهدَ هذه الرَّقابة، حيث عهدت لهيئةٍ سياسيَّةٍ بالرَّقابة على مبدأ المشروعيَّةِ ومدى احترامِ القواعدِ الدُّستوريَّة، ومنها مَن عَهِد إلى هيئةٍ قضائيَّة، والتي تُسمَّى بالرَّقابةِ القضائيَّة، والتي تقومُ بمُمارسةِ الرَّقابةِ الدُّستوريَّة، وذلك وفْقَ إجراءاتٍ مُحدَّدةٍ وبوسائلَ مقرَّرةٍ يجمعها إطارٌ إجرائيٌّ عامٌّ وهو الدَّعوى الدُّستوريَّةُ؛ لتقومَ هذه الجهةُ بالتَّحقُّقِ من توافُقِ التَّشريعات -على اختلافِها وتنوُّعِها- مع الدُّستور، وهو القانونُ الأعلى والوثيقةُ الأسمى في الدَّولة. |