الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص يؤكد متفلسفة الصوفية على أن جوهر الوجود هو الوجود الواحد الحق، الذي هو وجود الذات الإلهية، حيث يعبرون عنه بالوجود المطلق ABSOLUTE، وهو الوجود الحقيقي تمييزا له عن الوجود المقيد، وهذا ما عنوه بصرافة الذات الساذج المجردة عن كل النسب والإضافات والاعتبارات والوجوه، وهذا البحث الذي بين أيدينا بعنوان (الوجود الساذج عند متفلسفة الصوفية دراسة تحليلية نقدية مقارنة)، وهو موضوع على جانب كبير من الأهمية، خصوصا وأن فكرة الوجود الساذج هي عبارة مصطلح ناشئ من خلال نظرية علم الدلالة يدل على الوجود الصرف أو الوجود المطلق لا بشرط الإطلاق، بدون تعطيل أو تجسيم أو تشبيه، لقوله تعالى: في سورة الإخلاص ””قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)”” وأيضا في سورة الشورى: ””لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”” فقد أثبت القرآن الكريم جانب التنزيه المطلق مع جانب التشبيه، لكن تخوف متفلسفة الصوفية أن ينخرط الناس في قضية التشبيه، فكانوا حريصين على التنزيه من كل جوانبه، بل التنزيه المطلق، فلذلك استخدم متفلسفة الصوفية مصطلحات غاية في الغموض والإبهام على العامة بهدف التنزيه المطلق، فالجيلي مثلا استخدم مصطلح ””الذات الساذج””، بينما استخدم ابن عربي والقونوي مصطلح ””الوجود المطلق لا بشرط الإطلاق””. ومصطلح الوجود المطلق لا بشرط الإطلاق يوجه إليه نقد هنا أنه توقيف للصفات أي تعطيلها، لأنه بلا شرط يعني عدم إطلاق صفة على الله، حيث أن فكرة تعطيل الصفات من عقيدة الشيعة الإسماعلية وهذا كفر. وهنا يرد ابن عربي أنه ليس ثمة البتة تعطيل للصفات، وإنما قال لا بشرط الإطلاق أي لا بشرط تصور صفة الإطلاق، لأن تصور صفة الإطلاق في العقل المحدود يجعل منها قيدا، ””فالحق لا يتقيد بقيد إذ كان هو عين كل قيد، حتى ولو كان قيد الإطلاق”” فلا عبارات ولا إشارات ولا إحاطة، فهو أحد صمد لا نظير له ولا شبيه له ””ليس كمثله شيء وهو السميع البصير””. أما عن قضية وحدة الوجود والتوحيد الخالص عند متفلسفة الصوفية والفقهاء، فقد كان لمتفلسفة الصوفية في حياتهم وبعد مماتهم كثير من الخصوم الذين هاجموهم في عنف ونسبوا إليهم أمورا نكراء وكفروهم في آرائهم التي كانوا يدعون إليها وحاربوهم حربا لا هوادة فيها، وكان غالبية خصومهم من الفقهاء والمؤرخين، وهؤلاء لا ينتظر منهم أن يحكموا على تصوفهم الفلسفي حكما منصفا، لأنهم أولا ليسوا بصوفية ولا يستطيعون أن يتذوقوا علوم الصوفية، ولأنهم ثانيا ليسوا في مستواهم من الإدراك، ولم يتهيأ لهم ما تهيأ لهم من دراية واسعة لعلوم الفلسفة، وكان هجومهم على متفلسفة الصوفية سببه فهمهم أنهم من القائلين بالوحدة المطلقة التي لا تفرقة فيها بوجه ما بين وجود الخالق ووجود المخلوق وأنهم أنزلوا الرب منزلة العبد والعبد منزلة الرب، وأنهم يقولون بتأليه الكون، وأن الله كامن في الأشياء كلها. وهم كانوا في رأينا متحاملين عليهم وغير متبينين لوجه الصواب فيما أصدروه عليهم من أحكام، ولو قد أنصفوا لعرفوا أن أقوالهم يمكن أن تأول عند أربابها تأويلات مرضية, فلقد اكتفوا بالنص الظاهر فقط ولم يتعمقوا في مراميه الباطنية، يضاف الى ذلك أن متفلسفة الصوفية لم يكونوا يقولون بوحدة الوجود، ولا تأليه الكون، ولا وجود الله في الأشياء، فلقد حاول الباحث إعادة النظر في تفسير نصوص هؤلاء الصوفية المتفلسفة وكتبهم وكشف اللبس الذي وقع فيه بعض هؤلاء الفقهاء والمؤرخين وغيرهم، وهذا كان هو الهدف لاختيار هذا الموضوع ودراسته، وهو موضوع على ما يبدوا للباحث جديد في مجال دراسة الوجود الإلهي والتوحيد المطلق عند متفلسفة الصوفية إذ نحن هنا الآن نحاول أن نجاوب على هذا السؤال، هل متفلسفة الصوفية بالوصف الذي اتهموا به بأنهم قائلين بوحدة الوجود التي كان من أسبابها اتهامهم بالزندقة على حد فتوى بعض الفقهاء كابن تيمية وغيره، أم هم خلاف ذلك؟. |