Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
التحكيـم التجـاري الدولـي
آلية من آليات العولمة/
المؤلف
شلبي ، أحمد سيد محمد عبد النبي
هيئة الاعداد
باحث / أحمد سيد محمد عبد النبي شلبي
مشرف / أحمد قسمت الجداوي
مشرف / حسام رضا السيد
تاريخ النشر
2021
عدد الصفحات
أ-ع،595ص.:
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2021
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قسم القانون الدولي الخاص
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 551

from 551

المستخلص

ينصب موضوع الرسالة على دراسة معضلة إجبار الدولة على اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي باستخدام أدوات قانونية أسهمت في تطورها العولمة، وكيف تم تطويع القواعد القانونية من قِبل هيئات التحكيم الدولي لخدمة مصالح الشركات المتعددة الجنسيات التي تقف وراءها الرأسمالية العالمية.
ويعد النص في العقود التجارية على اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي الذي يمسك بأهدابه الغرب أحد أساليب الهيمنة. فلقد روج الفقه الغربي للتحكيم التجاري الدولي على أنه أداة فض المنازعات الحديثة من خلال الاستغراق في الحديث عن مزاياه، ولكنهم في الحقيقة يسعون إلى فرض هيمنة جديدة من خلال هذا الأسلوب، فلا يعقل أن يروجوا لسلعة تنفر منها النفوس وتأباها الفطرة وتلفظها الدول.
فلقد ظنت الدول النامية أنها بالدخول في مضمار التحكيم أنها تُحسن صنعًا، ولكنها أهدرت ثروات الأجيال القادمة، وقد أضحى الإفلات من العقود طويلة المدة أمرًا مستحيل المنال، حيث كرس الفقه الغربي لمبدأ قدسية العقد وعدم المساس بشروطه، وللأسف مازالت الدول النامية تغفو في أغوار كهوفهم.
ومن الشعارات البراقة التي روج لها الفقه الغربي العدالة السريعة التي يقدمها التحكيم ترجع إلى أن المحكمين يكرسون كل وقتهم للفصل في النزاع المثار أمامهم في زمن معين، ومحدد سلفًا من قبل الأطراف كأصل عام بالإضافة إلى أن اختيار المحكمين يكون على أساس خبراتهم في موضوع النزاع مما ييسر الفصل فيه؛ لأنهم لا يحتاجون إلى وقت طويل لفهم الخصومة، والفصل فيها كما أن إجراءات التحكيم سريعة ومبسطة أضف إلى ذلك أن التحكيم يتم على نظام للتقاضي من درجة واحدة فالقرار الصادر عن المحكم يتمتع بحجية الأمر المقضي به.
والحفاظ على السرية حيث أن العمل بالتجارة الدولية وخصوصًا عندما تؤخذ بالمفهوم الواسع تحتوي على كثير من الأسرار التي لا يرغب أطراف المنازعة في معرفة الجمهور لها وذلك لأن التجار يفضلون دائمًا أن تكون شئون عملهم سرية لأن أعمالهم غالبًا ما تحتوي على أسرار صناعية، واتفاقيات خاصة، يحرصون على عدم علم الآخرين بها وأن كشفها يضر بمصالحهم. وأيضًا المحافظة على علاقات الأطراف يحرص المتعاملين في التجارة الدولية على أن تكون منازعاتهم في حجم ضيق ومحصورة فيما بينهم. والمرونة وقلة الشكليات، وبساطة الإجراءات، يمتاز التحكيم بالتحرر من الشكلية، والقيود وصعوبة الإجراءات المفروضة على قضاء الدولة العادي. كما يمتاز التحكيم بالتخصص والكفاءة المهنية، وذلك من أجل إدارة الدعوى فلابد أن يكون بعض أعضاء هيئة التحكيم متخصصين في مهن مختلفة كالمستشارين البحريين للتحكيم البحري، والمهندسين الاستشاريين في العمارات، والإنشاءات، وتكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية، وخبراء الأسلحة، والأطباء والصحفيين .... الخ، الأمر الذي يؤدي إلى القضاء على إمكانية وجود اختلاف بين المحكمين حول الاقتراحات في جوانب الدعوى المعقد. وأيضًا الثقة وتكريس دور الإرادة، حيث تعتبر الثقة شرط لنجاح نظام التحكيم التجاري الدولي، وتضاف إلى مزايا التحكيم. وتأتي الثقة من ثقة أطراف النزاع في صلاحية المحكم الذي يفصل في النزاع وثقتهم في القواعد المنطبقة على إجراءات التحكيم وعلى موضوع النزاع، وتتحقق هذه الثقة بتمتع الأطراف المتنازعة بحرية اختيار المحكم والقانون الواجب التطبيق.
ولكن في الحقيقة أنه لا يزال مضمون التحكيم التجاري الدولي محاطاً بقدر من الغموض ربما كان ذلك مقصودًا يصعب الكشف عنه وربما كان ذلك في ذاته مقصوداً من أنصارها، فالدول العظمى تسعى إلى فرض هيمنة جديدة من أدوات التحكيم التجاري الدولي ومفاهيمه وهيئاته. فنظام التحكيم هو نظام نشأ في سياق صراع التكتلات الرأسمالية الكبرى على الهيمنة العالمية. إنه يعكس هذه الهيمنة في بنية العميقة ويكرس الموقع المتميز للولايات المتحدة فيها من خلال اتفاقية واشنطن التي انشأت بموجبها مركز الأكسيد لفض منازعات الاستثمار، حيث اتضح لنا أن هذا المركز-الذي يمسك الغرب الرأسمالي بكل أطرافه، ففض منازعات الاستثمار - هو الهدف الظاهر، ولكن الهدف الحقيقي هو الهيمنة واتساع مظلة المنازعات التي يقوم بتسويتها على المستوي العالم.
وذلك في إطار محاولة جديدة من الرأسمالية الغربية وبخاصة الأمريكية لتحويل الاقتصاد الدولي إلى اقتصاد الشركات العابرة للقوميات بحيث تزداد قبضة هذه الشركات على اقتصاد العالم، خاصة أن هذه الشركات لديها رؤوس الأموال والتكنولوجيا، مما يسهل لها السيطرة من خلال هذا المركز الواقع على أراضيها.
والشعار البراق هو مشاركة الدول الغنية للدول الفقيرة. وذلك على خلاف الحقيقة لأن دول الشمال الغنية تسعى إلى الحصول علي أكبر فائدة من خلال علاقتاها مع الجنوب الفقير، والدور الذي قمنا به في هذا العمل هو دورًا كاشفًا وليس منشئًا، حيث أننا أزلنا الغبار ليظهر التحكيم بمظهر مختلف عن الوضع السائد التقليدي.
وبينا خلال مراحل هذه الدراسة أن التحكيم في المرحلة الحالية من مراحل تطور العلاقات الاقتصادية الدولية قد تغيرت طبيعته ووظيفته الأساسية من أسلوب ضروري لحل منازعات قانونية ناشئة بين متعاملين متساويين من حيث القوة الاقتصادية والمركز القانوني إلى أداة تستخدمها الشركات في السوق العالمي لخدمة مصالحها وحل المنازعات القانونية على نحو يكفل لها أقصى درجات التفوق في تعاملاتها مع الجهات الحكومية والقضائية بالدول النامية.
وقد شهد القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين تطورًا مذهلاً في الدور الذي يؤديه مركز تسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي، ويتمثل هذا التطور في تزايد القضايا التي ترفعها الشركات الكبرى العالمية النشاط ضد حكومات الدولة النامية دون وجود اتفاق التحكيم في عقد معين أبرم بين الطرفين المتنازعين، وإنما تحريكًا مباشرًا للنصوص الواردة بالمعاهدات الثنائية المتعلقة بتشجيع وحماية الاستثمارات، فكل متعاقد مع جهة حكومية في دولة نامية أصبح يعتبر نفسه مستثمرًا جديرًا بالحماية الدولية ويقوم برفع دعوى تحكيمية ضد حكومة الدولة المعنية لمجرد الإخلال بأي بند أو التزام من التزامات العقد على زعم بأن هناك نزاع يتعلق بالاستثمار وأن له حق في اللجوء إلى مركز الأكسيد وصار هناك خبراء قانونيين متخصصين في توسيع مصطلح الاستثمار حتى يشمل أي عملية تبادل اقتصادي أو مالي.
ولقد أصبح المستثمر الأجنبي يهدد الدولة المضيفة للاستثمار بالتلويح بقدرته على اللجوء إلى مركز الأكسيد تحت ستار الادعاء بأن أي مخالفة لالتزام تعاقدي من جانب إحدى الجهات التابعة للدولة المضيفة ترفع تلقائيًا إلى مستوى الخطأ المنشيء لمسئولية دولية ورفع دعوى تحكيم ضد الدولة، حتى لو كان الأمر يتعلق بنزاع حول التزام تعاقدي.
وعند النظر في التحكيم بداية من مرحلة المفاوضات العقدية وانتهاءً بتنفيذ حكم التحكيم، حاولت دراستنا المتواضعة إبراز كيف يتم تطويع المفاهيم القانونية لخدمة مصالح الرأسمالية. وكيف أضحى التحكيم التجاري الدولي آلية جديدة من آليات العولمة تضاف إلى الآليات التقليدية المعروفة، وهي منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والعقوبات الاقتصادية ...إلخ.
والحقيقة أن التحكيم بهذا المفهوم فكرة يجهز ويعد لها الغرب منذ مدة طويلة لتحل محل الاستعمار العسكري السافر، ويكرس استمرار هيمنة الغرب المتقدم وتبعية العالم الثالث، فالاحتلال دائمًا يهدف إلى امتصاص الثروات الطبيعية للبلاد، أما الآن فيتحقق الهدف ولكن بآليات أخرى منها التحكيم التجاري الدولي، فعند دخول الدولة داخل هذا المضمار تفقد حصانتها القضائية ومن هنا يمكن القول أن المستثمر يقف على قدم المساواة مع الدولة المضيفة للاستثمار أمام مركز الأكسيد وعند هذا الحد يمكن القول أن هذه الاتفاقية تمنح المستثمر الفرد الشخصية القانونية الدولية وهو الأمر الذي كان قاصرًا فقط على الدول والمنظمات الدولية في ميدان القانون الدولي العام، وهذا يُعد انتصارًا للرأسمالية العالمية.