Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
النّص الدينيّ المقدس وإشكالية القراءة عند محمد أركون :
المؤلف
أحمد، مصطفى محمد عبدالصالحين.
هيئة الاعداد
باحث / مصطفى محمد عبد الصالحين أحمد
مشرف / السيد محمد سيد عبدالوهاب
مناقش / بهاء جلال السيد درويش
مناقش / محمد سلامةعبد العزيز
الموضوع
الفلسفة الإسلامية.
تاريخ النشر
2020.
عدد الصفحات
235 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
الدراسات الدينية
تاريخ الإجازة
1/1/2020
مكان الإجازة
جامعة المنيا - كلية دار العلوم - الفلسفة الإسلامية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 241

from 241

المستخلص

أهداف البحث :
المفكر: محمد أركون مفكراً وكاتبا عربياً ما ترك مصدراً من مصادر الإسلام إلا وقد تناوله بوجهة نظر غربية تفتقر إلى الموضوعية والإنصاف، فمذهبه الفكري يقوم على نقد الثروة التراثية والتي يسميها بالكلاسكية الدينية، كما يحرص كذلك على استخدام المعاني الرياضية المجردة، فهو أقرب ما يكون إلى السفسطائية منه إلى النسق المنطقي
ويمكننا القول بأن هناك عدة مرتكزات من الفكر الحداثي ينتمي إليها الدكتور أركون تتمثل هذه المرتكزات في (المنهجية البنيوية، المنهجية التفكيكية ) المناهج الفكرية وُلِدَت من رحم العداوة للكنيسة والدين بحسب وجهة نظر بعض النقاد الشرقيين، فهذا الفكر يرفض الخضوع لأي سلطة فوقية سوى سلطة العقل، بل يدعو إلى القطيعة مع كل ما هو غيبي ميتافيزيقي فبحسب ادعاء أركون : القرآن ليس إلا أسطورة من الأساطير التاريخية التي تحتاج إلى نقد وإعادة نظر، ثم إذا سلم بهذه الأسطورة - بزعمه - فإنها أولاً لم تصلنا بسند مقطوع الصحة ، لأن القرآن -كما يقول - لم يُكتب كله في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل كُـتب بعض الآيات ثم استكمل العمل في كتابة القرآن فيما بعد ، وهذه مغالطة واضحة فهناك فرق بين كتابة القرآن وبين مراحل جمعه.
ولم يكتفي أركون بهذا فحسب: بل يدخل بعد ذلك إلى نصوص القرآن فيشكك في القصص والأخبار ويرى أن التاريخ الواقعي المحسوس هو الذي يحاكَم إليه القرآن، فالأخبار والآثار التاريخية هي المُوَثّقَة!!!
ولـنقرأ له هذا النص الذي يجد القارئ في كتبه كثيراً مثله، يقول: ”ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس
إنه يقول: ”إن القرآن كما الأناجيل ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً، أما الوهم الكبير فهو اعتقاد الناس -اعتقاد الملايين -بإمكانية تحويل هذه التعابير المجازية إلى قانون شغال وفعال ومبادئ محدودة تطبق على كل الحالات وفي كل الظروف
ويقول في موضع آخر: ”إن المعطيات الخارقة للطبيعة والحكايات الأسطورية القرآنية سوف تُتلقَّى بصفتها تعابير أدبية، أي تعابير محورة عن مطامح ورؤى وعواطف حقيقية يمكن فقط للتحليل التاريخي السيولوجي والبسيكولوجي اللغوي -أن يعيها ويكشفهما
كما يفصل أركون بين القرآن والشريعة، فالقرآن عنده ”خطاب مجازي يغذي التأمل والخيال والفكر والعمل ويغذي الرغبة في التصعيد والتجاوز، والمجتمعات البشرية لا تستطيع العيش طيلة حياتها على لغة المجاز ولكن هناك البشر المحسوسون العائشون -كما يقول -في مجتمع وهناك أمورهم الحياتية المختلفة التي تتطلب نوعاً من التنظيم والضبط وهكذا تم إنجاز الشريعة
ثم يعقب بأن هناك مجالاً أسطورياً مجازياً وهو مجال القرآن، ومجال آخر واقعي للناس هو مجال الشريعة ويقول: ”إنه وهم كبير أن يتوقع الناس علاقة ما بين القرآن والشريعة التي هي القوانين الشرعية وأن المناخ الميثي (الأسطوري) الذي سيطر على الأجيال السابقة هو الذي أتاح تشييد ذلك الوهم الكبير، أي إمكانية المرور من إرادة الله المعبر عنها في الكتابات المقدسة إلى القوانين الفقهية (الشريعة).
كما عرف أركون كذلك بهجومه وجرأته على نفي الحديث النبوي والزعم بـأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام احتاجت إلى أحاديث وقال : ”إن السنة كُتبت متأخرة بعد موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزمن طويل وهذا ولَّد خلافات لم يتجاوزها المسلمون حتى اليوم بين الـطوائف الثلاث السنية والشيعية والخارجية ، وصراع هذه الفرق الثلاث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة، وهو يرى : أن الـحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية الصارمة لكل الوثائق والمواد الموروثة ، كما يسميها
ثم يقول: ”وبالطبع فإن مسيرة التاريخ الأرضي وتنوع الشعوب التي اعتنقت الإسلام -قد خلقت حالات وأوضاعاً جديدة ومستحدثة لم تكن متوقعة أو منصوصاً عليها في القرآن ولا في الحديث، ولكي يتم دمجها وتمثيلها في التراث فإنه لزم على المعنيين بالأمر أن يصدقوا عليها ويقدسوها إما بواسطة حديث للنبي، وإما بواسطة تقنيات المحاجة والقياس”
إن أركون يهدم كل شيء ولا يقيمك على سنن ولا يثق بأحد ولا بعلم أحد، فهو يسخر من كل مَن سبقه حتى يسخر من الطبري ومن طريقته في التفسير.
وما دام قد اجترأ على كتاب الله وسنة رسوله كل هذه الجرأة فماذا يتوقع القارئ عن غيرها؟
فهناك جوانب عديدة يستنكرها كقضايا الثواب والعقاب والبعث بعد الموت ويرى في آيات القرآن التي تحدثت عن الجنة وثوابها سياقات شعرية، وأيضاً يقول برمزية العذاب.
نتائج البحث :
النتيجة الأولى: إن إشكالية ومنهج القراءة عند أركون: تبلورا في الاستعانة بترسانة معرفية هي كم هائل من المفاهيم الغربية المستعارة إضافة إلى منهجية متعددة متداخلة، فهل كانت نتائج تطبيق هذه العدة والعتاد بحجم الآليات الموظفة؟
1- لم يكن جهده سوى تسويفات وتأجيلات ونداء للأجيال القادمة لتكملة ما بدأه، فما الذي أضافه ليصلح ويجدد وينهض براهن الأمة؟
2- إن فلاسفة الغرب وروادها من ديكارت إلى فوكو وصولا إلى دريدا كل واحد أضاف لبنة في صرح التنوير الأوروبي وأزاح عقبة وترك بصمة وأضاف جديدا غّير خارطة الفكر الأوروبي، فماذا قدم أركون وما الجديد الذي أضافه؟
3- بداية منهجية الإسلاميات التطبيقية كمسمى هي استعارة من مفكر غربي، أما المحتوى فهو تلفيقات منهجية متعددة متناقضة لأنها من مشارب مختلفة وفلسفات فيها الجديد الذي قام على أنقاض فلسفات أخرى، لكن أركون يجمع بينها ككل دون تمحيص أو تأصيل أو مراعاة لطبيعة النص المدروس والفكر المقروء.
ثانيا: إن مشروع محمد أركون هو استمرار لجهود ودعوات التيار الحداثي العلماني التي تعود أصولها إلى دعوات التغريب من قبل الأديب طه حسين وسلامة موسى، وهي دعوات نادت بالنهضة والتحديث والتقدم باستنساخ تجربة الغرب في غير شروطها وتطبيقها على تربة العرب؛ تبلورا ذلك المأرب في توّجه سهام النقد الحداثي والتفكيك للتراث الإسلامي والقيم الموروثة وللنص الديني نفسه بغرض كشف شرعيته وصحته وموضوعيته دون أن يقف أصحاب هذه المشاريع وقفة مع الذات لتساءل نفسها عن سلامة مشروعيتها وصحة منطلقاته إنّ النتائج التي قدمتها هذه المشاريع لم تكن سوى طمسا وهدما وردما وحفرا، وهذه الرسالة تؤكد عجز المشاريع الحداثية العربية عن تقديم بديل متماسك لاسيما في مقاربتها للإسلام عامة والنص الديني خاصة.
ثالثا: إن قراءات الحداثيين ومن ثم هذه المشاريع النهضوية تبين مدى عمق الأزمة والهوة الفكرية والنفسية التي يعاني منها هؤلاء الحداثيون وهي خير بيان على وضع الأمة المترّدي لدرجة أن من يوصفون بالنخبة المثقفة تدعو إلى طمس ومحو هوية الأمة الإسلامية وإلباسها شرعية علمانية، لينفذ الإعدام في حق القداسة الإسلامية والمرجعية التراثية ومن حق القارئ المسلم أن يكون له موقف من هذه القراءات ويقف منها موقف الرفض، لأن هذه المشاريع لها إرهاصاتها التي تعود إلي بدايات القرن الماضي، ناهيك عن مشاريع الحداثيين الجديدة التي سخروا لها عقودا من الزمن، ولكنها رغم تخطيها عتبة القرن -باءت بالفشل ولم تحقق التغيير والتجديد المطلوبين.
رابعا: إن دعوات أصحاب القراءات الحداثية بتطوير الفكر العربي وقراءته قراءة علمانية وذلك بتوظيف مناهج كالألسنية والسيميائية والتاريخية والتفكيكية وغيرها من المناهج هو فعل إبدالي وليس بفعل إبداعي، لأن الناقد العربي لا ينتج إنما يقلد، ولا يضيف إلى الإرث العربي إنما يحاكي الفكر الغربي، إن الإبداع لا يكون في ترجمة كل جديد وتطبيقه على النصوص العربية بشقيها الديني والأدبي فهذا ليس تجديدا، لأن التجديد يكون قائما على ربط الأصول بالفروع والنتائج بالمقدمات؛ الأمر الذي لم يدركه الحداثيون.
خامسا: إنّ من أبرز خصائص القراءة الحداثية أن النتائج تسبق المقدمات التمهيدية العلمية وبالتالي تصبح القراءة تحصيل حاصل لأن النتيجة تذكر قبل التحليل وبالتالي فالمقدمات هي افتراضات بلا دليل والمنهج منتقى ومختار بحسب النتيجة المطلوبة الأمر الذي يتعارض مع المنهجية العلمية المنطقية المنصفة.
سادسا: إن دعوة أركون الحداثية بمثابة حصان طروادة؛ لأنه يحاول إدخال مقولات فلسفية غريبة عن الفكر الإسلامي بعد أن تشّرب وتغّذى وتشبّع من فكر التنوير العقلاني العلماني الأنسني الحداثي ليبشر بها ويدعو إليها، فضلاً عن أنه لم يدخر جهده لاستيراد وتأصيل مقولات ورؤى الغرب إسلاميا حتى صارت مقولات: الحداثة، الأنسنة ، العلمنة، التاريخية مقولات إسلامية ولها أصولها في النصوص وقد وظف كل أجهزته المفهومية وآلياته الإجرائية لإثبات دعواه وكانت نتائج هذه الدعوات تحويل العلمانية إلى عقيدة ودين يُتبّع! أما الأنسنة فقد قلبت ثنائية (الله والإنسان) إلى ثنائية (الإنسان ثم الله) بجعل الإنسان رب هذا الكون وسيدا له، والإعلاء من قيمة الذات وتم تغييب الله وتحييد دوره بإقالته وإحالته إلى الهامش بدعوى المسافات النقدية والمساحات التحررية وغيرها من المبررات التي يحلم أركون استهدافها أملاً في إلغاء المقدس وتقديس العقل، رفض الكتاب المقدس وتحويله إلى كتاب عادي، تحويل الوحي إلى ظاهرة مادية تاريخية، إنكار الشريعة وتأليه القانون المدني، وهو ما يناقض مبادئ الإسلام وأسسه وتعاليمه مما يجعل من دعوته مطلبا مرفوضا جملة وتفصيلا.
سابعا: إن المعيار الأساسي والرئيس في قراءة أركون للنص القرآني هو مسلّمته القائلة إن النص القرآني هو مدونة رسمية مغلقة، تواضع عليها الحزب المنتصر ضمن ظروف تاريخية غامضة زيفت التاريخ، والقرآن الحقيقي هو عبارات شفهية تلفظها النبي وضاعت للأبد لهذا فقراءة النص القرآني من منظور أركوني تهدف إلى إزالة طابع القداسة عن هذا النص لأنها ليست ذاتية بل اكتسبها من العمل الجماعي لقوى الأرثوذكسية، وبهذا تحول الوحي إلى معطى الوحي والفرآن إلى حدث قرآني والآية في المعجم الأركوني تحولت إلى وحدة نصية والرسول تحول إلى فاعل أو ممثل اجتماعي، هادفا إلى إزالة هالة التقديس المشحونة لاهوتيا فقراءته كانت وفق رؤية علمانية ، حيث اجتث النص من سياقه الديني المتصل وحقيقته المطلقة المتعالية ليختزلها إلى ظاهرة مادية وحادثة لغوية تتساوى مع باقي النصوص البشرية بحكم تساويها معها من حيث البناء والتشكيل وعناصر التركيب.
ثامنا: إنّ إعلان أركون أنه يقدم منهجية جديدة في قراءة النص النبوي في محاولة لبلورة رؤية جديدة للدراسات الدينية؛ لكن هذه المنهجية وكما مر بنا عبر فصول الدراسة هي منهجية قاصرة لأنها تحصر أفق البحث في حدود التاريخ والإمكانات المتجلية فيه مما ينم عن ضيق أفق هذه الرؤية التي كلما حاولت طرح جديد عادت إلى نقطة البداية لتدرس النص النبوي والديني وتقصرهما وتختزلهما في عصر النزول لتربطهما بواقعهما المادي المحسوس رغم أن النص الديني هو بحر لا يتناها من الدلالات ويدعو الدارس إلى استجلاء معان لا تحصى ولا تنضب من معينه العذب، وهنا الفرق الجلي بين توظيف العتاد الغربي من مناهج ونظريات، وتوظيف الآليات اللغوية العربية التي أنشأت خصيصا لتدبر معاني ودلالات النص.
تاسعا: لم يقدم أركون أي جديد فهو يبدع لكن ليس في الابتكار إنما في الاجترار والتكرار، يكفي الاطلاع على كتاب أو كتابين لتفهم كامل المشروع فهو يكرر فقرات بأكملها وإعادة لشروحات المفاهيم، فالعدة
المعرفية التي بفخر بها ليس فيها بصمة أو إضافة أو تأصيل للمفاهيم الغربية حتى يهيئ فكر العقل المسلم لاستقبال هذه المناهج أو تلك المفاهيم، والعقل الاستطلاعي الذي يقول إنه منبثق هو منبثق من عقل ما بعد الحداثة الأوروبي وما كان عليه إلا أن يعرضه على المستهلك العربي عبر مصطلحات متفزلكة كل مرة في محاولة لإرهاب القارئ.
عاشرا: إن فكر أركون ككل هو استتباع وتكملة لمسيرة الاستشراق أو هو استشراق الغرب بزي المفكر العربي، بدليل المنهج الموظف والرؤية الموجهة والقضايا المعالجة وأسلوب الانتقاء والتفاضل والنتائج المحصل عليها.
حادي عشر: كان للتراث وخاصة التفسيري منه حظ وافر من القدح والرفض والهجوم والمطالبة بالقطيعة التامة معه، والحقيقة أن التراث الإسلامي عامة والتفسيري خاصة مقحم بالإسرائيليات وأخلاط التلوين المذهبي والبدع الطائفية مما يستوجب تهذيبه وتنقحه وتبصير الناس به، لكنه لا يعد عذرا لنفيه وقدحه وعزله والارتماء في أحضان تراث آخر.
ثاني عشر: إنّ المشروع الأركوني يحمل بذور فنائه بين طياته؛ لأنه يحمل عناصر إخفاقه فكل المفاهيم مستعارة من بيئة مغايرة تماما لبيئة الإسلام.