Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الإجراءات التأديبية وأثرها على حقوق الموظف العام :
المؤلف
جودة، إسراء صلاح سالم.
هيئة الاعداد
باحث / إسراء صلاح سالم جودة
.
مشرف / محمد أنس قاسم جعفر
dranasgaafar44@gmail.com
مناقش / طارق فتح الله خضر
.
مناقش / هشام عبد المنعم
.
الموضوع
الموظفون - تأديب. الموظفون - حق العمل.
تاريخ النشر
2019.
عدد الصفحات
726 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
الناشر
تاريخ الإجازة
28/8/2019
مكان الإجازة
جامعة بني سويف - كلية الحقوق - القانون العام
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 551

from 551

المستخلص

تمثل الوظيفة العامة اللبنة الأولي والأساسية في بناء الجهاز الإداري للدولة، ويقع على عاتق الموظف الاضلاع بشغل هذا الكيان القانوني والنهوض بتبعاته والعمل على تحقيق أهدافه وغاياته المنشودة 0
وانطلاقًا من عظم الدور الذي تقوم به الدولة، سيما بعد أن تعددت المهام, الملقاة على عاتقها بتوليها إشباع جانبًا كبيرًا من الحاجات العامة، إذ بات سبيلها في النهوض بجل هذه الحاجات هي الوظيفة العامة، عبر من يشغلها وتناط به واجباتها، وبذلك أضحى الموظف العام يمثل جوهر النشاط الإداري، بما ألقى على عاتقه من واجبات، تجعله القوام على هذا الأمر، ومن ثم يتبوأ أهمية قصوى، ويبرز سبيلاً للنهوض بتبعات هذا النشاط وتحقيق كافة غاياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وحتى يمكن للوظيفة العامة أن تلعب دورها الحقيقي الفعال، نحو تحقيقِ نجاح الإدارة في أداء مهامها، فإن ذلك يتطلب أن يدار النشاط الإداري بواسطة موظف عام جدير بأن يتبوأ هذه الوظيفة، قوي في الاضطلاع بمهامها والنهوض بتبعاتها، أمين في الحفاظ على كرامتها ومقوماتها، وذلك بدوره يتوقف على مدي شعور هذا الموظف بالأمان، وبوجود ضمانات تكفل له الاستقرار الوظيفي، وتحقق له الطمأنينة الكاملة على أنه سينال كافة حقوقه الوظيفية، دون ثمة افتئات أو انتقاص أو نيل منها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وإذا كانت النصوص التشريعية والمبادئ الإدارية تسعى للتضافر، نحو حمل الموظف العام علي أداء الدور المناط به، علي النحو الأمثل، دون قصور أو تقصير، إلاّ أن ذلك لا يمكنّه- مهما بلغ النظام القانوني من دقة وإحكام- أَن يحولَ في الواقع دون حدوث أشكال وصور مختلفة من صور التقصير أو الإخلال بمقتضيات الوظيفة العامة، ومن ثم تنشط المسئولية التأديبية بحق الموظف العام، لتحديد أوجه هذا القصور أو الإخلال بواجبات ومقتضيات الوظيفة العامة، وتحديد الوسائل والإجراءات والعقوبات التي تضمن حماية وصيانة الوظيفة العامة، وتمكينها من أداء دورها وتحقيق غاياتها ومقاصدها، باعتبار أنّ النظام التأديبي والضمانات التي يحتويها يُعد جزءًا لا يتجزأ في إطار الوظيفة العامة بمفهومها الشخصي والموضوعي ويأتي اختيار موضوع ” الإجراءات التأديبية وأثرها على حقوق الموظف العام ” انطلاقا مما تقدم بيانه، بشأن تلك الأهمية البالغة للدور الذي تؤديه الوظيفة العامة في الجهاز الإداري للدولة، عبر شاغلها والمضطلع بمهامها أَلا وهو الموظف العام، وما يمكن أنْ يخضع له من إجراءات تأديبية تؤثر بصور مختلفة ومتعدد وأحيانا متعدية، في حقوقه ويكون لها مردودها على مستوى أدائه للعمل، مما ينعكس بدوره على حسن سير وانتظام المرفق العام ومستوى ما يقوم به من أعمال وما يقدمه من خدمات.
فلا مشاحة في أن نظام المساءلة التأديبية للموظف العام يعد ركنًا أساسيًّا في الكيان القانوني للجهاز الإداري للدولة، بما يهدف إليه من تحقيق المصلحة العامة للدولة من خلال المحافظة على النظام العام وحماية المرافق العامة، وتمكينها من تحقيق غاياتها، وإماطة ما قد يعترض سبيلها من عقبات، تؤثر سلبًا في أدائها، ويكون مردها الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية، وبحسبانه في الوقت ذاته المسؤول الاول عن تكريس أهم الإجراءات والمبادئ الحاكمة لأهم وأخطر ما يعرض للموظف العام في حياته الوظيفية، بما يهدد هذه العلاقة في جانب منها.
ولقد كان ذلك كافيا، لان يدفع بهذا الموضوع نحو الصدارة والجدارة بالبحث، إذ أوسعت كتب الفقه والأبحاث المتخصصة مجالاً رحبًا على صفحاتها، لتناول جوانب الإجراءات والعقوبات التأديبية، بيد أنها لم تشمر عن ساعديها بذات القدر، لتسلط الضوء بالقدر اللازم، لبحث وتأصيل الحدود والمعالم الفاصلة والحاسمة التي تنتهى اليها وتقف عندها ولا تتجاوزها، تلك الاثار التي يمكن ان تتمخض عن هذه الإجراءات وخاصة العقوبات، في مجال ونطاق حقوق الموظف والتي قد تتوغل إلي الحد الذي قد يؤدي إلي انفصامها كلية، الأمر الذي يضفي عليها أهمية فائقة، فيما تشمله من إجراءات، وما تطوى عليه من ضمانات، وما يسفر عنها من نتائج، تكون لها انعكاساتها الهامة والخطيرة، في شأن الموظف العام وحقوقه الوظيفية
0 ومن هنا فإن غاية هذه الدراسة تتخلص في محاولة الخلوص إلى فلسفة المساءلة التأديبية، من حيث ماهيتها، وأساس قيامها، والإجراءات التي تتشكل منها في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، وتحديد المدى والآثار التي تتمخض عن هذه الإجراءات، بالنسبة لحقوق الموظف العام والضمانات التي تكفل لهذه الإجراءات أن تحقق غاياتها دون تجاوز أو حيف أو نيل من تلك الحقوق.
اعتمدت هذه الدراسة منهج الاستقراء والتحليل والاستخلاص حيث سعت جاهدة نحو رصد جوانب الموضوع على صعيد التشريعات ذات الصلة واستقراء الشروح والآراء الفقهية التي تناولت عناصر الموضوع ثم الوقوف على نهج القضاء والمبادئ التي استخلصها وأرساها فضلا عن المقارنة مع بعض التشريعات.
وفي ضوء ما تسعى إليه هذه الدراسة من غاية لبحث موضوع ” الإجراءات التأديبية وأثرها على حقوق الموظف العام” تتحدد العناصر والجزئيات التي يجب أن يتناولها البحث، وعليه فقد تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة أبواب على النحو الاتي:
الباب التمهيدي : الموظف العام والنظام التأديبي
الباب الأول : التحقيق التأديبي وأثره على حقوق الموظف العام.
الباب الثاني : المحاكمة التأديبية وآثارها على حقوق الموظف العام.
الباب ”التمهيدي”
الموظف العام والنظام التأديبي
تتشكل عناصر هذا الباب حقيقة مفادها أن مناط تحريك المسئولية التأديبية، وتنشيط احكامها ومبادئها، صوب التفعيل والاسقاط، على ما ينشأ من وقائع، في نطاق هذا البحث ومفرداته، رهين باكتساب وتوافر صفة الموظف العام، فطالما أن العلاقة الوظيفية ما فتئت قائمة بين الجهاز الإداري والموظف العام، فإنه يتمتع بمجموعة من الحقوق التي يتعين علي جهة الإدارة الوفاء بها واحترامها، وفي المقابل فإنه يتعين عليه الالتزام بمسئوليات وأعباء الوظيفة العامة، ويترتب علي إخلاله بها، توقيع الجزاء التأديبي عليه.
من قبل السلطة المختصة، ومن ثم فإذا كانت العقوبة الجنائية تمس الفرد في حريته أو شرفه أو أمواله، فإن العقوبة التأديبية تصيب الموظف في الحقوق والمزايا الناشئة عن شغله للوظيفة العامة، سواء بحرمانه منها أو من ميزاتها.
وعليه فإن النظام التأديبي، يُعد أحد اركان ومقومات النظام الوظيفي في الدولة، إذ يشمل مجموعة من القواعد القانونية التي تُعد بمثابة نقطة الارتكاز في تحقيق التوازن، بين ضمان سير المرفق العام بانتظام واضطراد، بما يضمن تحقيق اهدافه وغاياته، وبين حق الموظف العام في توفير الضمانات والإجراءات التي تحفظ له الاطمئنان والاستقرار، وتحول دون هضم هذه الحقوق أو المساس بها من قبل جهة الإدارة، باعتبارها الطرف الأقوى في العلاقة الوظيفية.
إذا يتعين أن تظل المساءلة التأديبية بسائر عناصرها، من إجراءات وعقوبات تأديبية، في نطاقها المرسوم والمحدد قانونا، بما يكفل أهدافها ويحقق غاياتها، ومن ثم لا يتصور أن تضحى سببًا أو ذريعة للمساس بحقوق الموظف العام، أو أن تجنح إلى الغلو أو التغول أو الميل أو الانتقاص أو الإفتات على حقوقه الوظيفية، لأسباب مرجعها مجرد خضوعه لمقدمات أو لإجراءات التأديب، أو حتى معاقبته، بأحد العقوبات التأديبية، فيما يجاوز العقوبة، التي تقررت في حقه.
واتساقًا مع ما تقدم، تدور عناصر هذا الباب، حول بيان المسائل الأولية والمقومات الضرورية، التي يتعين تناولها – وبقدر من الإيجاز – حتى يمكن في ضوئها وانطلاقًا منها، بحث المشكلة المحورية لمحل هذه الدراسة، والتي أؤكد ومنذ البداية وبوضوح تام، أنها تتمثل بصفة أساسية في أثر الإجراءات التأديبية علي حقوق الموظف العام، أو بعبارة أخري الآثار المتعدية، التي يمكن أن تتجاوز الإجراء التأديبي، أو الواقعة سبب المساءلة التأديبية، وكذا العقوبة التي وقعت من أجلها، إلي المساس بحقوق أخري للموظف العام، كانعكاس لما وقع في حقه من إجراء شكلي أو موضوعي .
وفي ضوء ما تقدم، أخذنا في توزيع مادة هذا الباب، على فصول، ثلاثة، حيث تناولنا في الفصل الأول: الموظف العام حيث امكن تعريفه بأنه: كل شخص يعين بأداة قانونية من السلطة المختصة في وظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الاشخاص العامة بطريق الاستغلال المباشر. وأن علاقته بالجهة الإدارية هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح.
وخصصنا الفصل الثاني لبيان: ماهية المسئولية التأديبية وأساسها القانون حيث بينا أن المسئولية التأديبية تمثل الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها ، ويستند إليها ، في ضبط النشاط الإداري في الدولة ، ابتغاء اصابة العديد من الاهداف والغايات، التي يتصدرها ضمان حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد ومكافحة كافة صور الانحراف الوظيفي ، وذلك عبر العديد من الوسائل إذ تسعى ابتداء إلى تحقيق الزجر والردع العام للحيلولة دون ارتكاب أية أفعال يكون من شانها التأثير سلبًا في ممارسة هذا النشاط واعتراض سبيله أن يبلغ غايته، ومن ثم التصدي لأية أفعال تقع من الموظفين العموميين إبان انخراطهم في الخدمة وممارستهم اعمالهم، وتمثل ايجابًا أو سلبًا إخلالاً بمقتضيات الوظيفة العامة، فتخضعهم لإجراءاتها، توسلا إلى التحقق من ثبوت أي من هذه الافعال في حق أي منهم، ومن ثم انزال العقوبة التأديبية الملائمة عليه، وفى ذات الوقت تكريس الضمانات التي تكفل له مساءلة عادلة دون حيف أو تجاوز في حقه، كونه القوام بسنن وفرائض الوظيفة العامة بيد أن ذلك يستوجب أيضًا تقويم ومعالجة أي شكل من أشكال الإخلال بمقتضيات تلك الوظيفة .
ورصدنا الفصل الثالث لتسليط الضوء علي: أهم ما يتعلق بالجريمة والعقوبة التأديبية من حيث ماهيتها ومشروعيتها واركانها في التشريع والفقه والقضاء .
الباب الثاني
التحقيق التأديبي وأثره على حقوق الموظف العام
انطلاقا من أهمية دور الموظف في الاضطلاع بمهام وأعباء الوظيفة العامة ضمن المنظومةِ الإداريةِ ، باعتبارها وسيلةَ تفعيلٍ وتنفيذِ سياسة وتوجيِهات الدولة، والعمل على تحقيق أهدافها، إذ لا يمكن أن يتأتى ويجرى تحقيق ذلك إلا عبر الموظف العام، باعتباره المناط به القيام بهذه المهام وتحقيق تلك الأهداف، فإن استقام وأجاد في أدائه انتظم المرفق وحسن أداؤه، أما إذا أهمل أو قصر أو تعمد ارتكاب المخالفات أو الجرائم التي تخل بواجبات ومقتضيات الوظيفة، انعكس ذلك سلبًا وبوارًا لهذه الوظيفة، بل للمرفق ذاته، حيث يفقد حسن السير والأداء، ويفقد انتظامه وانضباطه، وتهدر أهدافه وغاياته.
فإذا وقع شيء من ذلك تعين أن تنشط المساءلة التأديبية بقواعدها ومبادئها، وآلياتها ووسائلها، نحو تقويم الاعوجاج، وإصلاح الخلل، وإزالة آثاره، وفق التشريعات والمبادئ التي تستهدف مساءلة الموظفين عما يقع منهم من أفعال تشكل جرائم تأديبية، وإخضاعهم لإجراءات تأديبية تضمن عدم إهمالهم أو تقاعسهم عن القيام بأداء مهامهم، أو انحرافهم واستغلال صفاتهم الوظيفية على النحو الذي يعرقل سير المرفق العام, ويؤدي إلي عدم قيامه بأداء مهامه, وتحقيق أهدافه على الوجه الأكمل ووسيلة ذلك هو التحقيق التأديبي، والذي يعنى بصفة عامة البحث والتقضي الموضوعي والمحايد والنزية لكشف الحقيقة والتثبت مما إذا كانت الوقائع المنسوبة الى الموظف ثابتة في حقه, حيث يتعين استظهار الأدلة الكافية والتي يمكن بمقتضاها إسناد وقائع بعينها إلى شخص أو أشخاص محددين، بغية محاسبتهم ومعاقبتهم وفقا للقانون . فإن امتنع ذلك تعين إهدارُ الاتهام، والتصرف وفق مقتضيات وموجبات القاعدة المقررة من أن الأصل في الإنسان البراةُ، حيث إن التحقيق التأديبي لا يستهدف سوي الكشف عن الحقيقة، وتبيان العلاقة بين الموظف والجرم التأديبي المنسوب إليه، وهو إجراء موضوعي، تحوطه العديد من الضوابط الشكلية، ويتخذ بعد وقوع الجريمة التأديبية، بهدف الوصول إلي الحقيقة واماطة اللثام عنها للكشف عن فاعلها بالتثبت من صحة إسنادها إليه ويجرى استهلال هذه الإجراءات بإحالة الموظف المتهم بارتكاب الجرم التأديبي إلى السلطة المختصة لكي يتم التحقيق معه بشأن الوقائع المنسوبة إليه بهدف التأكد من صحة نسبة الجريمة إليه، وتحديد الجزاء الذي يوقع عليه، ومن ثم ينتهي التحقيق إما إلى معاقبة الموظف، أو بدفع الأمر إلي القضاء التأديبي.
وتتولي التحقيق مع الموظف إما الجهة الإدارية، أو النيابة الإدارية، وسواء تولت الجهة الإدارية أو النيابة الإدارية التحقيق مع الموظف المخالف، فإنه يترتب علي مجرد إحالته إلي التحقيق أو المحاكمة آثارًا خطيرة، تنال من حقوقه، ولذا تخضع السلطة التأديبية لقيود وضوابط معينة تحقيقًا لسلامة الإجراءات وسلامة ما تسفر عنه من نتائج، والحد من الآثار التي تترتب عليها، والتي تفوق ضررها في بعض الأحوال الجزاء التأديبي ذاته، ولذا كان من الضروري إخضاع سلطة التأديب لقيود وضوابط تراعيها عند اتخاذ هذه الإجراءات من ناحية وحماية حقوق الموظف من ناحية أخري .
وفى ضوء ذلك تناولت في الفصل الأول: ماهية التحقيق التأديبي ومقوماته حيث عرضت لماهية التحقيق التأديبي واهميته والذي يتمثل جوهره في كونه مجموعة الإجراءات التأديبية التي تتخذ وفقاً للشكل القانوني، بمعرفة السلطة المختصة سواء كانت الجهة الإدارية أم النيابة الادارية، وتهدف إلى البحث والتنقيب عن الأدلة التي تفيد في كشف الحقيقة، مستخدمة في ذلك الأساليب المشروعة، كالاستدعاء والمواجهة، لتحديد الواقعة المبلغ عنها، بأثبات حقيقتها، وبيان ما إذا كانت تشكل جريمة تأديبية، ومعرفة مرتكبها، وإقامة الدليل علي صحة اتهامه وثوبتها في حقة، وتمكين من نسب إليه الاتهام من الدفاع عن نفسه، وإقامة الدليل علي تبرئة ساحته مما نسب إليه ، وتحقيق دفاعه، وينتهي التحقيق أما بثبوت المخالفة في حق الموظف المبلغ ضده ومن ثم توقيع العقوبة التأديبية عليه أو بحفظه لعدم ثبوت المخالفة أو إحالة الموضوع برمته إلي جهة أخري لعدم الاختصاص وقد خلصنا الي ان ماهيةَ التحقيق التأديبي إنما تتجلى فيما أرى في بذل الجهد واستنفاد الوسع على نحو ناجز وسريع في الوصول إلى حقيقة وجوهر الواقعة محل الإتهام من حيث مضمونها ووصفها ومدى ثبوتها وصحة أسنادها إلى من نسبت إليه. وفى المفهوم القانوني، تتمثل في البحث والتقصي والتمحيص والتفنيد، المحايد النزيه للواقعة محل الاتهام، من قبل السلطة التأديبية المختصة، خلوصًا إلى حقيقة التهمة، واستظهارًا لما يمكن استخلاصه من أدلة مؤيدة لثبوتها وصحة نسبتها إلى فاعلها, أو انتفائها وعدم ثبوتها في حقه، وذلك عبر الوسائل القانونية، وفى إطار من الضمانات التي تكفل تحقيق العدالة والإنصاف حماية للموظف وحفاظًا على أهداف المرفق العام.
كما تناولنا السلطة المختصة بالإحالة للتحقيق وتلك المختصة بمباشرة التحقيق وأهم المبادئ التي تتعلق بالإحالة للتحقيق التأديبي. ثم لمقومات التحقيق وكيفية التصرف فيه.
وخصصت الفصل الثاني لعرض: ضمانات التحقيق التأديبي والتي تتمثل أهمها في التكلف بحضور التحقيق والتمكين من الدفاع بكافة الطرق المقررة قانونا والمواجهة والاستجواب وسماع الشهود وغيرها وبينا انها ترتبط بالتحقيق ارتباطًا وثيقًا للأهمية البالغة التي يحظى بها التحقيق ذاته، انطلاقًا من موقع التحقيق من المساءلة التأديبية، وانعكاسها على كيفية التصرف في هذا التحقيق ،ومدى التأثير البالغ في النتيجة التي تنتهي إليها هذه المساءلة، من خلال تحديده لماهية ومضمون الواقعة محل الاتهام، ومدى صحة نسبتها للمتهم، وكذا الأدلة التي يستخلصها ويقدمها سندًا لما انتهى إليه، ابتغاء كشف وإثبات الحقيقة وتحديد المسئولية، وما لذلك من آثار حتمية تنعكس على حقوق الموظف ومركزه القانوني، ومن هنا كان الحرص كل الحرص من المشرع والفقه والقضاء على تكريس الضمانات الحقيقية التي تكفل سلامة هذا التحقيق، وان يجري في النطاق المرسومة له، مرتبطًا في ذلك بالغاية التي يرمتها ويسعى إليها، وهى كشف الحقيقة وتحديد المسئولية.
فضمانات التحقيق تمثل مجموعة القواعد والاجراءات والضوابط التي يتعين الالتزام بها اثناء التحقيق والتي يترتب على مخالفتها بطلان التحقيق.
فإجراءات التحقيق وضماناته هما وجهان لعملة واحدة فهناك عدة مقومات أساسية يجب توافرها في التحقيق حتى يستكمل ضماناته الأساسية ويحقق النتيجة التي استهدفها القانون على اعتبار أنه من المبادئ الأساسية والأسس المقررة في نطاق شرعية الإجراءات التأديبية، أنه يجب أن يكون التحقيق الإداري له مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالة ضماناته وهي أمور تقتضيها العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية
وترتيبًا على ذلك يمكن التأكيد على أن كل ما تقدم بيانه عن مقومات التحقيق التأديبي هي في حقيقتها ومضمونها ضمانة هامة لصحة وسلامة التحقيق قانونًا.
فالضمانات جزء لا يتجزأ من التحقيق – والتحقيق ليس سوي مجموعة من الضمانات التي تجتمع لتشكل إجراءات التحقيق وهو ما ستناوله بالتفصيل عند الحديث عن ضمانات التحقيق.
ورصدت الفصل الثالث لبيان: أثر إجراءات التحقيق التأديبي على حقوق الموظف العام حيث اوردنا تفصيلا ان الإجراءات التأديبية في جملتها وافرادها، تنقل الموظف من الحالة والمركز الوظيفي الطبيعي، إلى شخص ” محال للتحقيق أي متهم ” وهذا المركز الجديد والاستثنائي والمتمثل في وضع الموظف حيال القانون تكون له انعكاساته وتبعاته واثارة، التي لا تنال فقط من سمعته واعتباره في محيطه الوظيفي بل ومجتمعه، وأيضا حالته النفسية والمعنوية، إنما تمتد للنيل من حقوقه الوظيفية سواء المتعلقة بحقه في مباشرة اعمال وظيفته، او في حقوقه المالية والوظيفية، على الرغم من كونه لايزال في دائرة القاعدة الأصولية التي تقرر بان الأصل في الانسان البراءة ومع ذلك يخضع الموظف لأجراء الوقف عن العمل وما يتمخض عنه من اثار مباشرة وغير مباشرة وأيضا وقف ترقيته الي ان يحسم امره التأديبي فضلا عن اثارها بالنسبة لتقارير الكفاية بل وحتي في استمراره في الخدمة .
وفي ختام هذه الدراسة أوردنا ما خلصت اليه من نتائج وما من توصيات عبر بندين على النحو الاتي:
أولا: نتائج الدراسة:
1) : إن دراسة الإجراءات التأديبية وأثرها على حقوق الموظف العام يحكمها مبدأ عام وأساسي هو ”التوازن بين الفاعلية والضمان” أي بين فاعلية النشاط الإداري وتحقيقه لأهدافه وغايته، من خلال المحافظة على حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، وتقديمها للخدمات العامة على النحو وبالمستوى الذي يحقق طموحات وآمال المجتمع في التقدم والازدهار أما الضمان فيتمثل في أن الوظيفة العامة بحكم كونها محور هذا النشاط ونقطة ارتكازه التي ينطلق من خلالها لتحقيق أهدافه وغاياته، لن تتمكن من الاضطلاع بهذا الدور المنتج والفاعل ما لم تسند إلى موظف عام جدير بأن يتبوأ هذه الوظيفة، قوي في الاضطلاع بمهامها والنهوض بتبعاتها، أمين في الحفاظ على كرامتها ومقوماتها، وذلك بدوره يتوقف على شروط وضوابط الصلاحية والاختيار ثم تكريس كافة الضمانات التي تكفل له الاستقرار الوظيفي، وتحقق له الطمأنينة الكاملة على أنه سينال كافة حقوقه الوظيفية، دون ثمة افتئات أو انتقاص او نيل منها بصورة مباشرة او غير مباشرة.
2) : إن الحرص على توفير أكبر قدر ممكن من الضمانات التي تحوط الحقوق الوظيفية للموظف لا تصطدم بمبدأ فاعلية الإدارة، لكون الموظف العام ــ وكما سلفت الإشارة ـ هو الوسيلة الرئيسة التي تعتمد عليها الإدارة في ممارسة نشاطها، وكلما توفرت له الضمانات اطمأنت نفسه وتولدت الثقة لديه في الجهات التي تمارس عليه سلطاتها، مما ينعكس وبصورة إيجابية على فاعلية الإدارة، بما يمكن معه القطع بأن مبدأ الضمان يعزز مبدأ الفاعلية ويكمله.
3) : أنه إذا كانت الإدارة تضع نصب عينيها وفي المقام الأول تحقيق الأهداف المشار اليها، فإنها كما اشرت، لن تدرك غاياتها دون وجود الموظف الكفء والفعال، الآمن المطمئن على حقوقه، والذي يلمس أنه محل عناية واهتمام جهة الإدارة ذاتها، وتبذل في كفالة ما يضمنها ويصونها كل ما في وسعها، عبر ايمان راسخ بأن ذلك مفتاح تطور أنشطتها واصابة غاياتها.
4 ) أن فلسفة التأديب في الوظيفة العامة أساسها التوازن بين مصالح المرفق العام وحسن سيره وانضباطه وفي ذات الوقت وقاية الموظف العام دون العسف او الجور على حقوقه بل تأمينه وحمايته، لا ان تكون سيفا مسلطا على رقبته، سيما وقد تطورت الفلسفة التي يستند اليها العقاب في كافة المجالات الجنائية والتأديبية على حد سواء فأصبح العقاب بوجه عام يستهدف التقويم والإصلاح بدلا من التكدير والانتقام والتشفي من المخطئ.
5) : كشفت الدراسة عن أن ثمة علاقة وثيقة بين الضمانات والإجراءات التأديبية فكلاهما جزء لا يتجزأ من الأخر فضلا عن ان كلاهما وجهان لعملة واحدة نظرا لطبيعة الهدف المشترك بينهما وهو تحقيق العدالة والحفاظ على حسن سير المرافق.
6) :ان التأكيد على الحقوق الوظيفية للموظف العام، والكشف عن الآثار السلبية التي تترتب على الإجراءات التأديبية التي قد يخضع لها، وبحث وتكريس الضمانات التي تحوط هذه الحقوق وتضبط اثار العقوبات التأديبية في شانها، وإفراد مثل هذه الدراسة لهذا الهدف، كل ذلك ليس معناه تغليب عنصر الضمان على عنصر الفاعلية بقدر ما هو تركيز وإبراز لجانب يتعلق بالطرف الأضعف في العلاقة الوظيفية، ومن مصلحته بل ومصلحة الإدارة ذاتها ضبط الاثار المترتبة على الإجراءات التأديبية، بحيث تظل في نطاق الغاية من التأديب دون تجاور، وذلك بتحقيق الضمانات التأديبية التي تكفل ذلك .
7): خلصت الدراسة إلى أن للإجراءات التأديبية آثارها المباشرة وغير المباشر على الحقوق الوظيفية للموظف العام، وأن الضمانات التأديبية هي صمام الأمان الذي يضمن، ان تظل هذه الإجراءات في النطاق والحدود والأهداف المقررة لها قانونا.
8) : أكدت الدراسة على أن سائر الإجراءات التأديبية ـ ومن زاوية الحقوق الوظيفية ـ تمثل ضمانات للموظف يتعين كفالتها سواء كان ذلك في مرحلة التحقيق أو مرحلة المحاكمة، وسواء تعلق ذلك بهيئة التأديب او بالإجراءات السابقة أو المعاصرة أو اللاحقة لتوقيع العقوبة التأديبية
9) : أن التحقيق إجراء في غاية الأهمية بالنسبة لحقوق الموظف العام ولذا قرر المشرع انه لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية على الموظف إلا بعد إجراء تحقيق مستوف لكافة المقومات والضمانات الحقيقية وفي حالة المخالفة البسيطة التي أجاز في شأنها الاكتفاء بالتحقيق الشفهي أوجب ان يتضمن القرار التأديبي مضمون هذا التحقيق الشفهي والتي انتهينا إلى ان تتضمن المقومات الأساسية للتحقيق ، فضلا عن ان هذه الأهمية للتحقيق توجب ان يحاط القائمين على التحقيق في نطاق الجهة الإدارية بما يضمن لهم القدر اللازم من الاستقلال الفني في أعمالهم حتي يمكنهم القيام بهذا العمل الحساس والهام بتجرد وحياد وموضوعية .
10) : إن من أهم مقومات التنظيم الإداري ضرورة توافر الإدارة أو الهيئة التي تضطلع بمهام التأديب وان يتوافر لها من المقومات والضمانات ما يضمن لها الحياد والتجرد والاستقلال والتي تمثل مقومات وضمانات القضاء الطبيعي.
11) : كشفت الدراسة عن أنه ليس ثمة ما يمنع ـ قانونا ــ من قيام الرئيس الإداري بالجمع بين قيامه بتوجيه الاتهام وإجرائه التحقيق وكذا توقيعه العقوبة التأديبية وهو ما مؤداه عدم إمكانية إعمال القواعد المتعلقة بحيدة الجهة التأديبية لدى قيام الجهة الإدارية بإجراءات التأديب بوصفها جهة ”تأديب رئاسية ”.
12): أن العقوبة الـتأديبية ـ وفي ضوء النتيجة السابقة ـ ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة وطريق تسلكه الإدارة مضطرة لتحقيق أهداف الصالح العام، ويتفرع عن هذه النتيجة انه يتعين أن تتحقق المشروعية للعقوبة التأديبية وان تلتزم سائر المبادئ الحاكمة لها وفي مقدمتها التناسب والملائمة مع الجرم التأديبي فلا تجنح نحو الشطط أو الغلو، وكذا شخصية ووحدة العقوبة وغيرها من المبادئ.
ثانيا: أهم التوصيات:
1) إن الأهمية البالغة للإجراءات التأديبية لكونها تمثل عصب النظام التأديبي ووسيلة تطبيقه في الواقع، وما تتمتع به من طابع وذاتية خاصة، توجب على المشرع تقنينها في منظومة متكاملة ومستقلة تحفظ لها طابعها الخاص وتجمع شتاتها وتحدد وتبين تفاصيلها بدلا من تلمسها من مصادر متعددة ـ منها قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجنائية وقانون مجلس الدولة وقانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية ـ بينما لا يغني أحدها بذاته في توفيرها على النحو المطلوب والذي يتسق مع طابعها التأديبي.
ومطلقا لن يكون ذلك عملا في فراغ وإنما ستكون نصوص القوانين المشار اليها مصدرا أساسيا فيما يمكن اقتباسه قياسا، إلى جانب ما شيده القضاء من مبادئ وما ارساه من قواعد تناولت سائر الإجراءات التأديبية في ضوء النصوص التشريعية والشروح والتحليلات والتعليقات الفقهية.
2) ـ نناشد المشرع ـ ربطا بالتوصية السابقة ـ إصدار قانون الإجراءات الإدارية والتأديبية المستقل امام مجلس الدولة، والذي طال انتظاره والتطلع إلى صدوره، إذ لا شك ان في ذلك فائدة كبرى وحقيقية للمتقاضين وسائر القائمين على تطبيقه بل والفقه المهتم ببحث جوانب الإجراءات التأديبية والعمل على تطويرها في ضوء ما تقوم عليه من مبادئ، وما ترمي إليه من غايات.
3) ـ أن تقوم فلسفة التأديب التي تعكسها التشريعات التأديبية بمستوياتها المختلفة ويترجمها مسلك الجهة الإدارية في التأديب على عقيدة راسخة من أن الإجراء التأديبي هو وسيلة لضمان حسن سير المرافق العامة وفي ذات الوقت لحماية وصيانة الحقوق الوظيفية للموظف وتقويمه واصلاحه إذا ارتكب ما يخل بواجبات ومقتضيات الوظيفة، ولا يقصد به مطلقا التربص به واستغلال عثرته لتنهال علية الاثار والعقوبات التأديبية بين أصلية وتبعية ومقنعة وأخرى لا سند لها من القانون.
4) أنه يجب مراجعة وضبط وتحديد الإجراءات التأديبية والمواعيد المقررة لها والاخذ بكل ما يضمن سرعة حسم التظلمات أو الطعون والدعاوى التأديبية لضمان الفاعلية وتحقيق اهداف التأديب وغاياته الأمر الذي يسهم في الحد من مشكلة العقوبات التأديبية المقنعة، وفي ذات الوقت النص على المسئولية التأديبية وما توجبه من عقاب في حالة استخدام الصلاحيات المخولة بمقتضى القانون كعقوبة تأديبية مقنعة ضد الموظف مع إلزام من استخدمها بالتعويض وبصفة شخصية حال إلغائها قضائيا.
5) أن مقتضي ما هو مقرر دستوريا من أن الأصل في الانسان البراءة ــ وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة منصفة تتاح له فيها كافة حقوق الدفاع وضماناته ـــ أن يظل المتهم متمتعا بقرينة البراءة، ومن ثم يتعين ان تغل يد الجهة الإدارية دون المساس وبأية صورة من الصور بحق من الحقوق الوظيفية الأدبية أو المالية المقررة للموظف دون ما هو منصوص عليه قانونا سواء كان محالا للتحقيق أو للمحاكمة وإلى ان يصدر في حقه حكم نهائي يحوز قوة الأمر المقضي ويستوجب التنفيذ.
6) أنه يتعين على الجهة الإدارية عدم الإفراط في طلب الإحالة للمحاكمة التأديبية أو الركون إلى ذلك، لاعتبارات بعيدة عن فلسفة التأديب وأهدافه ودون مبرر معتبر، وأدلة يرجح معها الإدانة، وعقوبة تتوق إلى توقيعها تفوق ما يدخل في نطاق سلطتها التأديبية.
7) أنه لمعالجة الخلل الذي يصيب ضمانة الحيدة في حالة كون الجهة الإدارية هي التي تباشر المساءلة التأديبية، أن توضع الضوابط القانونية التي تكفل توافر هذه الضمانة الهامة بحيث يمتنع ان يجمع شخص بصورة مباشرة ـ أي بنفسه ـ او غير مباشرة عبر من يترأسهم مباشرة أيضا الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق والعقاب التأديبي، وان تشمل هذه الضوابط ما يضمن للقائمين على التحقيق في الجهة الإدارية استقلالا عن السلطة الرئاسية على الأقل في الجانب الفني، إذ لا يكفي في توقي الاثار السلبية للعقوبة الـتأديبية مجرد توافر الحق للموظف في الطعن على القرار الصادر بها، بعد ان تكون قد نالت من حقوقه الوظيفية.
8) أن رخصة اجراء التحقيق شفاهة مع الموظف والتصرف فيه في الحالات التي يجوز فيها ذلك يجب ان تكون وفق ضوابط محددة تحول دون اهدار هذه الضمانة كلية ومن بين هذه الضوابط ألا يكتفي بمجرد الإشارة إلى مضمون التحقيق وانما يتعين ان يثبت هذا المضمون مشتملا على أهم مقومات التحقيق في صلب القرار التأديبي، وان لا يكون من حق الرئيس الإداري استخدام هذه الرخصة والتصرف في التحقيق اكثر من مرتين في السنة على ان يكون التحقيق بعد ذلك كتابة مع ترتيب البطلان على مخالفة ذلك.
9) أنه وعلى الرغم من الصعوبات التي تكتنف تحقيق مبدأ الشرعية التأديبية في شقه المتعلق بتقنين الجرائم التأديبية فإنه لا مناص من أن يكون ذلك هدفا يتغياه المشرع ويسعي اليه من خلال تقنين اهم الواجبات الوظيفية التي يتعين مراعاتها وعدم الاخلال بها نزولا على مبادئ الشرعية الدستورية، وأهم المحظورات التي يجب أن ينأى عنها الموظف مع ربط كل فعل يمثل جرما تأديبيا بعقوبة تأديبية يكون لها حديها الأقصى والأدنى حتى تستطيع السلطة التأديبية إنزال العقاب المناسب وفقا لسلطتها التأديبية وفي ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بالجريمة التأديبية، وتغلبا على الصعوبات المتصلة بطبيعة الواجبات والمخالفات التأديبية وما تلقيه بظلالها على مهمة تقنين هذه المخالفات يمكن البدء بتقسيمها إلى ثلاثة أنواع الأولى هي المخالفات أو الجرائم التأديبية شديدة الجسامة والثانية المخالفات أو الجرائم متوسطة الجسامة والثالثة هي المخالفات أو الجرائم ضئيلة أو بسيطة الجسامة بحيث يخصص لكل طائفة من هذه المخالفات مجموعة من العقوبات في نطاق معين تتقيد به السلطة التأديبية وتتناسب مع درجة جسامتها تمهيدا للانتقال الي مرحلة لاحقة نصل فيها إلى مرحلة التقنين الكامل للمخالفات او الجرائم التأديبية علي غرار ما هو مستقر في قانون العقوبات والقوانين الأخرى .
10) ان تتحرى السلطة التأديبية سيما إذا كانت هي السلطة الرئاسية وبكل عناية واهتمام تحقيق العدالة والإنصاف عبر التوازن والملائمة بين العقوبة والجرم التأديبي دون إفراط أو تفريط ودون غلو في الشده أو مبالغة في التساهل فكلاهما له اثاره السلبية وعقباه الوخيمة على المرفق والموظف في آن واحد.
11) تركيز العقاب في عقوبة محددة تجب وتستغرق الجرم التأديبي، فيما يطلق عليه العقوبة الأصلية مع إلغاء كافة الأثار أو العقوبات التبعية التي يرتبها المشرع على توقيع هذه العقوبة والتي تضاعف من جسامة وآثار العقوبة ذاتها وتخل بمبدأ المساواة فلا تصيب هدفها بالنسبة للموظفين على حد سواء بل تقع وطأتها كما هو الحال في تأخير ترقية الموظف على من اقتربت ترقيته بخلاف من تفصله عن الترقية فترة زمنية مستقبلية.
12) إعادة النظر في فلسفة العقوبات كما أوردها قانون الخدمة المدنية الحالي والذي قلص عدد هذه العقوبات بحيث يتم إعادة بعض العقوبات ومنها الوقف عن العمل كعقوبة وأيضا ضرورة النص على الإجراء الهام والذي كان يمثل ضمانة جوهرية لحماية الموظف والمتمثل في إنذاره قبل اصدار قرار بإنهاء خدمته للانقطاع.
ولله الفضل والحمد والمنة والثناء الحسن الجميل.