Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الواقعية فى الرواية الريفية عند جاو شو لى و عبدالرحمن الشرقاوى روايتا ” سان لى وان ” و ” الأرض ” نموذجا /
المؤلف
محمد، معتز عبداللاه.
هيئة الاعداد
باحث / معتز عبداللاه محمد
مشرف / حسن رجب حسن
مشرف / جلال ابوزيد هليل
تاريخ النشر
2018.
عدد الصفحات
259 ص. ؛
اللغة
الصينية
الدرجة
ماجستير
التخصص
الأدب والنظرية الأدبية
تاريخ الإجازة
1/1/2018
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الألسن - اللغة الصينية.
الفهرس
Only 14 pages are availabe for public view

from 259

from 259

Abstract

يشتمل البحث على مقدَّمة، وتمهيد ،وثلاثة فصول، وخاتمة، ثم قائمة بالمصادر والمراجع.
أمَّا المقدَّمة فقد بدأتها بحمد الله تعالى والثناء على رسوله، ووجهت الشكر لأساتذتي ولكل من مدَّ لي يد العون حتى يكتمل هذا العمل على النحو المراد ويستوي على سُوقِه، وقد تناولت المقدمة عنوان البحث، والهدف من اختياره، وأهميته، والمنهج الذي اعتمدتُ عليه.
التمهيد أعرض فيه نشأة المذهب الواقعى ومفهوم الواقعية ، ومفهوم الرواية الريفية ونشأتها فى كل من مصر والصين ،محتوى الروايتين ، وأخيرا نبذة عن الكاتبين .
الواقعية إحدى المذاهب الأدبية التى نشأت فى القرن التاسع عشر فى أوربا ، أما دلالتها اللغوية من حيث تصوير الواقع والتعبير عنه قديم قدم الفن والأدب قبل أن يكون لها مفهوم وأنصار، وفي نشأتها عاصرت الرومانسية ، وتميزت الواقعية عن غيرها من المذاهب الأدبية ” فإنها اعتمادا على مبادئها الأساسية فى الانعكاس الموضوعى وتمثيل الأدب للواقع – أيا كان موقعه وزمانه – فإنها تتجاوز الحدود الإقليمية والتاريخية ، ويصبح فى مقدور أى مجتمع اختمرت فيه مبادئها الجمالية أن يرى نفسه فى مرآتها بطريقة صافية مركزة ، وتصبح المجتمعات التى مازال ضميرها القومى فى مرحلة النضج والابتعاث، والتى تقف مثلنا فى مفترق الطرق تبحث عن جوهر شخصيتها وتستشرف الملامح العامة لمستقبلها وسط التيارات العاتية هى أحوج ما تكون لمواجهة النفس بشجاعة ومعرفة الأمر الواقع بعمق ، والوعى بالعوامل الفعالة لوجودها التاريخى المحدد ، ولن تجد مركبة تمخر بها هذا العباب سوى مبادئ الواقعية ” .
وإن كان المدلول الاصطلاحي للكلمة لاينفصل كلياً عن دلالته اللغوية إلا إنها نظرة خاصة لأشكال الحياة ذات معايير فكرية اختلفت من قطر إلى آخر، وهذا يعني أننا نلتقي بأكثر من تيار واقعي، حيث نلتقي ”بالواقعية النقدية”التي يسميها البعض” بالواقعية الأوروبية” أو الواقعية الغربية، ونلتقي بالواقعية الاشتراكية والواقعية الطبيعية وإن اختلفت تلك الأطر في بعض الأمور إلا أنها تلتقي جميعاً في رفضها للمثالية وتلتفت إلى الواقع .
ومن أهم الأسباب التى ساعدت فى ظهور المذهب الواقعى ضعف المذهب الرومانسي ، فرغبة المجتمع الغربي في التخلص من أحلام الرومانسية والتطور السريع في مجالي الفنون والعلوم وانتشار روح العمل في المجتمع الأوروبي بالإضافة إلي الفوضى والاضطرابات الاجتماعية ساعد بشكل كبير فى نشأة المذهب الواقعى آنذاك وانتشاره .
يعد شانفلوري1821-1889م، أول من نقل فكرة الواقعية إلى الأدب متأثراً بصديقه الرسام ” كوربيه ” في حين يعد ”بلزاك” و” فلوبير” من أكبر كتاب الواقعية النقدية، التى اتجهت إلى الأدب الموضوعي، حيث انتصرت للنثر بخاصة للرواية، وأخذت من دقة التصوير والتعبير بديلاُ من الأحلام والتهويل، وعنيت بالمشكلات الاجتماعية أكثر من عنايتها بالفرد .
والواقعية الاشتراكية تنادى بوجوب خدمة الفن للمبادئ الإجتماعية ، وأن يكون الأدب سلاحا اجتماعيا ووسيلة من وسائل العمل ، وهي ترى في الواقع إيجابية وتفاؤلا، ولا تيأس من الخير عند الفرد وفي المجتمع ، وهى تجسد الرؤية الماركسية للأدب وتحمل مبادئ المادية الجدلية التي يرى أنصارها أن الأدب مبني على النشاط الاقتصادي ونموه وتطوره، وأن الأدب يؤثر في المجتمع بقوته الخاصة لذلك ينبغي توظيفه لخدمة المجتمع وفق المفهوم الماركسي . والأديب الاشتراكي أديب ملتزم بمبادئ النضال الاشتراكي ، فالواقعية الاشتراكية لا تحاول فهم الواقع فحسب بل أيضا إعادة بنائه وفق تصور المبادئ الاشتراكية.
جاءت حركة 4 مايو عام 1919 بداية للأدب الصينى الحديث ، الذى لم يكن امتدادا للأدب الصينى القديم فحسب ، بل تأثر بشكل كبير بالأدب العالمى ، وبخاصة بالأدب الثورى الاشتراكى ممثلا فى الماركسية ، ودخل المذهب الواقعى الإشتراكى الى الصين فى بداية ثلاثينيات القرن الماضى والذى إكتسى بثوبه الجديد متاثرا بقيم المجتمع الصيني وأفكاره ، مما أكسبه طابعا ثوريا خاصا يتفق مع مبادئ المجتمع الصيني، حيث نادى بمناهضة الفكر الإقطاعى القديم ، وطالب بالوقوف بجانب طبقة العمال والفلاحين والجنود، وحث على العمل من أجل بناء المجتمع الصيني الحديث ، وحمل راية التنوير الأديب الصيني الكبير لو شون ، التى جاءت أعماله معبرة عن الواقع الصينى ، ومن أشهرها المجموعة القصصية ” صرخة ” والتى تضمنت عدة قصص قصيرة أشهرها ” يوميات مجنون ” ، وسرعان ما تحول المذهب الواقعى إلى المذهب الرئيس فى تلك الفترة ، وأشعل الزعيم الصينى ماو حماس الأدباء بعد عقده ندوة ”يان آن للفنون والآداب” الأدبية عام 1942 م ، حيث نادى بتسليط أقلامهم لخدمة الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين والجنود ، وكان من أوائل الكتاب الذين لبوا النداء الأديب الكبير جاوشولى ، والذى سخر قلمه لخدمة الفلاح الصينى ، فجاءت رواية ” سان لى وان ” تتويجا لهذا النداء ، وهى تعد من طليعة أعمال الأدب الريفى بعد تأسيس الدولة الصينية عام 1949 م .
ومن أشهر الأدباء الذين حملوا على عاتقهم راية الأدب الريفى فى الصين لوشون وأهم أعماله الريفية ” مسقط الرأس ” عام 1921 م ، جاوشو لى ومن أهم أعماله ” زواج شياو آر خى ” 1943م ، سون لى وأهم أعماله” بحيرة اللوتس ” 1945م ، شن تسونغ ون ومن أهم أعماله ” مدينة حدودية ” 1934م وغيرهم من الكتاب .
شهدت بداية القرن التاسع عشر نهضة أدبية وثقافية فى الأوساط العربية ، متأثرة بحركات الترجمة والبعثات الخارجية وانتشار الصحافة وغيرها ، وظهر الفن القصصى بمفهومه الحديث فى محاولة محمد المويلحى فى ” حديث عيسى بن هشام ” عام 1907 م ، والتى تأثرت بأساليب الحكاية والمحسنات البديعية فى المقامات ، و ” ليالى سطيح ” لحافظ إبراهيم عام 1906 م ، و ” عذراء دنشواى ” لمحمود طاهر حقى عام 1906م ، ويجمع مؤرخو الأدب العربي على أن أولى الروايات المكتملة فنياً كتبها محمد حسين هيكل تحت عنوان ”زينب” عام 1914م .
وتبلورت الفنون الأدبية ولاسيما القصة في فترة مابين الحربين بتأثير الثقافة الغربية ، وظهرت مدرسة قصصية جديدة كان من روادها عيسى عبيد ( ثريا ) , ومحمود تيمور ( نداء المجهول ) وبدأت تقترب من الواقعية .
بدأ نضج القصة العربية الحديثة في الأربعينيات عند مجموعة من الكتاب عالجوا القضايا السياسية والاجتماعية وأزمات الإنسان الروحية من خلال رؤية واضحة وعميقة , ويقف في طليعتهم ( نجيب محفوظ ) .وظهرت الواقعية النقدية عند ( محمود تيمور ) ، والواقعية الاشتراكية عند ( الشرقاوي ) ، فبعد جيل نجيب محفوظ، يبرز جيل عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس اللذين نافسا جيل محفوظ ومضيا إلى آفاق مغايرة، ومن الرموز الواقعية لهذا الجيل رواية ”الأرض” (1954 م) للشرقاوي، و”أرخص ليالي”(1954 م) ليوسف إدريس.
فالمذهب الواقعى دخل الى مصر والصين فى فترة تكاد تكون متقاربة فى بداية القرن التاسع عشر ، متاثرا بحركة التنوير التى بدأت فى كلا البلدين ، وسرعان ما انتشر المذهب الواقعى وأصبح يعتنقه العديد من أدباء مصر والصين فى تلك الفترة . فروايتا ” سان لى وان ” و ” الأرض ” خير نموزج للرواية الريفية التى اتخذت من الواقعية الثورية منهجا فى كلا البلدين .
الفصل الأول تناولتُ في ثناياه الفضاء الروائى فى الروايتين وأوجه التشابه والاختلاف، وينقسم هذا الفصل إلى مبحثين، يأتي المبحث الأول تحت عنوان ” الزمان”، أما المبحث الثاني فيأتي بعنوان ” المكان”.
المبحث الأول : الزمان
وتناولت فيه الزمن الروائي ، تحدثت فيه عن تاريخ نشر الروايتين وأهمية تلك الفترة التاريخية وسبب اختيارها من الكاتبين ، والمرجعية الاجتماعية ، والزمن داخل الروايتين ، وعلاقة الشخصيات بالزمن.
إن رواية ”الأرض” من أهم أعمال الشرقاوي حيث نشرتها جريدة المصري سنة 1953م، بعد نجاح ثورة يوليو 1952 م، وصدور قانون الإصلاح الزراعى ، وكان أهم بنوده تحديد سقف للملكية الزراعية ، وتم ذلك فى محاولة لإعادة الحقوق الى الفلاح المصرى الذى عاش حياة السخرة فى ظل حكام سابقين . وتحتل هذه الرواية مکانتها المهمة والفنية من حيث البحث عن الوقائع الاجتماعيّة والسياسيّة في القرية المصريّة.
إنّ ”حکاية الأرض تحدث في سنوات الثلاثينيات بين عامي 1932- 1933م ،خلال السنوات الحالكة فى مصر حيث يتحكم ”صدقى ” – ديكتاتور الملك فؤاد – من مكتبه فى القاهرة ، وأحداث القصّة تدور في القرية التي تشهد صراعاً حقيقياً بين الفلاحين الذين يفلحون الأرض وهؤلاء الذين يستغلونها دون أن يعملوا ويبدو الاستغلال في صور کثيرة، ضرائب، بيع، شراء منتجات الأرض و يشتد النضّال من أجل الحصول علی الماء للأرض.” وبدأ الشرقاوى روايته بتحديد الفترة الزمنية لحكاية الأرض على لسان الراوى ” وأنا أعرف قريتى تماما ..أعرفها بصفة خاصة فى تلك السنوات الطاحنة منذ عشرين عاما عندما كانت القرية تقذف ببعض فتيانها وفتياتها إلى المدينة باحثين عن عمل ، ليعودوا من بعد صفرا مهزولين ، أكثر صفرة وهزالا مما ذهبوا ، ومعهم آخرون عاشوا فى المدينة طويلا ، ثم عادوا كلهم ينبشون فى طين الحقول عن طعام .” ، فزمن الحكى فى الرواية هو فترة الأجازة الصيفية ومدتها أربعة أشهر التى قضاها الراوى فى قريته وما وقع فيها بالفعل من أحداث ، أما الزمن فى الرواية فيشمل هذه الأحداث التى وقعت بالفعل خلال فترة الأجازة إلى جانب الأحداث الأخرى التى وقعت فى الماضى واستعارها الراوى عن طريق التزكر والاسترجاع ،وتصوير الأحداث التاريخية ،فالزمن فى الرواية له أهميته فهو يمر ويبدأ مع الأحداث وينهيها فيجد القارئ شيئا من الرضى فى التعرف على مصير شخصية ما .أما عن ترتيب الزمن داخل رواية ”الأرض ” فقد تحققت الوحدة الزمنية فى بعض الفصول مثل ” الفصل الرابع ” حيث تقع أحداثه فى جزء متأخر من الليل ، وتعددت الأزمنة فى فصول أخرى مثل ” الفصل الأول ” التى تداخلت فيه الأزمنة فنجد الراوى يسرد أحداثاً حدثت فى الماضى ثم يعود إلى الحاضر ، ويتقدم بالزمن الى الأمام ويحلم بالسير فى المظاهرات ، ونجد بعض الفصول بها تفصيلات زمنية دقيقة ، وبعض الفصول تتناسب المدة الزمنية مع أهمية الأحداث التى وردت بها مثل ” الفصل الأول ” على عكس ” الفصل الثانى ” الذى لم تتناسب فيه المدة الزمنية مع أحداثه .
أما عن رواية ” سان لى وان ” فهى العمل الرئيس للكاتب جاوشولى ونشرت عام 1955 م فى مجلة أدب الشعب ، وهي من أوائل الروايات الصينية التي تحدثت عن بناء المجتمع الريفي الحديث بعد بناء الصين الحديثة في عام 1949م . حيث كان توجه الحزب الشيوعى الصينى لإنشاء التعاونيات الزراعية في المجتمع الريفي الصيني ، والتى مرت بعدة مراحل فى أربعنييات القرن الماضى بهدف رفع الظلم عن الفلاح الصينى والقضاء على الإقطاع وإعادة توزيع الأراضى على الفلاح ، ومن ثم تحقيق أهداف الثورة الصينية والنهوض بالدولة .ولقد عبر جاو شولى عن سبب كتابته للرواية بأنه ذهب فى عام 1951 م لريف تاى شين شان تلبية لنداء الحزب الشيوعى والوقف بنفسه على مراحل تطور الريف الصينى فى ظل التعاونيات الجديدة . حيث تناول الكاتب معظم القضايا التي تخص الفلاح الصيني فى ذلك الوقت ، وعلى رأسها القضايا الأسرية، والخلافات التي نشبت داخل الأسرة الواحدة في الريف الصيني بسبب الانتقال من مرحلة الفكر الاقطاعي إلى مرحلة الفكر الاشتراكي.
وبرع جاوشولى فى تحديد زمن الحكى فى مستهل روايته وحدده بشهر سبتمبر عام 1951 م ، فأحداث الرواية تدور فى ذلك الشهر من بدايته إلى نهايته ، ولجأ فى بعض المواقف إلى استرجاع بعض أحداث الماضى ، وجاء ترتيب الزمن داخل الرواية فى شكل تصاعدى مع تصاعد الأحداث ،فكانت أحداث كل فصل مكملة ونتيجة لأحداث الفصل الذى سبقه ،وذلك مراعاة لمنهج السرد الصينى القديم ، حيث أكد جاوشولى بنفسه مراعاته لتسلسل الأحداث حتى يراعى القارئ الريفى ، فحدد فى بداية الفصل الأول والذى جاء بعنوان ” الأجازة ” توقيت بدء الحكى حيث قال ”فى مساء اليوم الأول من سبتمبر فى هذا العام ، وبعد تناول العشاء وصلت أخت سكرتير الحزب وانغ جين شنغ السيدة وانغ يو مى إلى المقر العام بالقرية ، وذهبت إلى الغرفة الغربية لتلقى الدرس المسائي ” . فبرع جاو شولى فى تحديد الوحدات الزمنية على مدار الرواية ، وحددها بالأيام ، أحداث اليوم الأول والثانى والثالث الى نهاية الشهر ، وفصل بعض أحداث اليوم الواحد إلى أحداث صباحية وفى النهار وفى المساء كما حدث فى اليوم الثانى حيث تعددت الأحداث فى أماكن مختلفة وكلها حدثت فى يوم واحد ، وأحداث الرواية فى بدايتها يحكيها ببطء وفى نهاية الرواية تتسارع وتيرة الأحداث ، فأحداث اليوم الأول والثانى استغرقت ما يقرب من 20 فصلاً أكثر من نصف الرواية ، ونجد قفزات زمنية فى الرواية ، مثل اليوم السادس إلى اليوم التاسع ، اليوم الثانى عشر إلى اليوم الثامن عشر ، و اليوم الثالث والعشرين إلى اليوم التاسع والعشرين .
ومن ضمن النقاط المشتركة بين الكاتبين تقارب زمن النشر ، فكلتا الروايتين نشرت بعد تأسيس الدولتين بقليل ،وتحديد بداية الأحداث ونهايتها بشكل واضح فى الروايتين ، ومن نقاط الاختلاف بينهما أن حكاية ”الأرض تدور فى ثلاثينيات القرن الماضى فى عهد حكومة صدقى وزمن الحكى فترة الأجازة الصيفية ومدته أربعة شهور ، بينما تدور حكاية ” سان لى وان ” فى مطلع خمسنيات القرن الماضى عقب تأسيس الصين الشعبية وزمن الحكى شهر سبتمبر ، وتباين استخدام الوحدات الزمنية فى كلتا الروايتين .
المبحث الثانى : المكان وتناولت فيه السمات العامة للمجتمع الريفى ، وسمات أماكن المعيشة
إن المكان الرئيس الذى تدور فيه أحداث رواية الأرض هو قرية الراوى ،والتى لم يحدد الكاتب لها اسما ، والتى استطاع الشرقاوى من خلال تصويره للأماكن داخل القرية أن يشكل ملامحها ، وإن لم تختلف كثيرا عن ملامح غيرها من القرى المصرية ، وبذلك تمكن من تصوير قرية حقيقية ترتبط الشخصيات فيها بالأماكن ارتباطا وثيقا ، ومن تلك الأماكن أرض عبدالهادى ومحمد أبوسويلم ومحمد أفندى ، والترعة الصغيرة والنهر أو البحر كما يسمونه داخل القرية ، وجامع القرية ،ومصلى بجوار الساقية حيث يلعب الأطفال ، ودوار العمدة ، والساقية ، والطاحونة ، والمصطبة وغيرها من الأماكن داخل القرية ، ومن الأماكن التى صورها الشرقاوى خارج القرية عاصمة الإقليم ،وعيادة دكتور العيون فى المديرية ، تلك الأماكن أثرت الرواية وأضاءت جوانبها .ولقد رسم الشرقاوى أماكن القرية بكل تفاصيلها ، وصور أماكن شخصيتها بكل دقة ، بيوتهم ، حقولهم ، سواقيهم وأماكن معيشتهم وعملهم وأماكن أفراحهم وأحزانهم .
أما عن الجانب الإنسانى فقد اختلف الشرقاوى فى تصويره للقرية عمن سبقه من الأدباء الذين اهتموا بتناول الريف من منظور معين وتناولوا الريف إطاراً جغرافياً لذلك المنظور ، فقرية الشرقاوى ” ليست خاضعة أو مستسلمة ميتة وسلبية ، وليست قابعة فى انتظار مصيرها القدرى أو فى انتظار معلم وواعظ يتكلم باسمها ، إنها تتحرك حركتها الذاتية ، وتمارس الفعل وتواجه مشكلاتها وتحاول أن تجد لها حلا ” بل وصل به الحال إلى عقد مقارنه بين قريته وقرية من سبقوه من الكتاب ، إذ أشار على لسان الراوى أنها ليست كقرية زينب خاضعة ومستسلمة .
ومن الأماكن التى طال الحديث عنها داخل الرواية حقول الفلاحين وأراضيهم، حيث دارت معظم أحداث الرواية فى أرض عبدالهادى وأرض محمد أبوسويلم ، فالأرض تحتل مكانة كبيرة عند الفلاح فهى مصدر قوته وكرامته وشرفه ”من لا يملك فى القرية أرضا لا يملك شيئاً حتى الشرف ” ، وقد تناول البحث بالتفصيل قيمة الأرض بالنسبة للفلاح حسب ما جاء فى الرواية .
ومن الأماكن التى شهدت ظلم الحكومة والباشا للفلاحين دوار العمدة الذى شهد توقيع العريضة المزورة وحبس الفلاحين وتزوير الانتخابات ، وشهد أيضا وقوف نساء القرية فى وجه العمدة للتعبير عن غضبهن لحبس الرجال وعلى رأسهم وصيفة التى ضربت العمدة بروث البهائم .
ولم يختلف جاو شو لى فى اختيار الفضاء الروائي عن عبدالرحمن الشرقاوى ، فنراه يختار الريف فضاء للرواية ، وإن اختلف معه فى تحديد قرية بعينها ” سان لى وان ” فضاء لروايته ، وهى قرية نموذجية تم اختيارها لتطبيق منظومة التعاون الزراعى الجديدة فى الصين ، كما أشار فى بداية روايته ” سان لى وان قرية نموذجية ، يتم اختيارها من قبل المقاطعه لتجريب كل ما هو جديد من سياسات الحزب الزراعية ، الإصلاح الزراعى ، تطبيق نظم زراعية جديدة ، وصولا لعام 1951 واختيارها لتطبيق التعاونيات الزراعية الجديدة ”
فبعد تطبيق سياسة الإصلاح الزراعى فى نهاية الأربعنييات تم توزيع الأراضى على الفلاحين ،مما كان له عظيم الأثر فى الإنتاج ، ولكن مع ظهور مشكلة نقص الموارد لدى صغار الفلاحين وظهور مشكلات تنظيم الرى ، وعدم وجود طرق صالحة لدخول الألات الزراعية الحديثة ، مما دعى الحكومة الصينية لتطبيق فكرة إنشاء جمعيات التعاون الزراعى داخل القرى ، وتم اختيار قرية ” سان لى وان ” لتكون من أوائل القرى التى تتطبق الفكرة عليها ، مما دعى الكاتب جاوشو لى للذهاب بنفسه لمعايشة الفلاحين والوقوف على مشكلاتهم . وتناول الكاتب معظم قضايا القرية ، وعلى رأسها القضايا الأسرية، والخلافات التي نشبت داخل الأسرة الواحدة في الريف الصيني بسبب الانتقال من مرحلة الفكر الإقطاعي إلى مرحلة الفكر الاشتراكي وحث الأبناء أباءهم للدخول فى جمعية التعاون الزراعى الجديدة والتسجيل في قوائم الحزب .
ومن الأماكن الرئيسة التى دارت فيها أحداث الرواية مقر الخدمة العامة فى القرية ، ومنزل أسرة ”ما ” ، ومنزل عمدة القرية ” فان دنغ جاو ” ، ومنزل أسرة ” وانغ جين شن ” سكرتير الحزب ، وحقل ” داو با دى ” الذى تم اختياره لتمر الترعة الجديدة به وعقد الكاتب الحبكة الرئيسة على كيفية حل مشكلة ملكية هذا الحقل . حيث حاول الكاتب تصوير هذه الأماكن والدور الذى أثرت فيه فى شخوص الرواية ، وصور العلاقة القوية بين شخصيات الرواية وحبهم لقريتهم ، وتجنب جاو شولى انفصال شكل الريف عن مضمونه ، فالقارئ للرواية يلتمس الأجواء الريفية من خلال تفصيلاته للأماكن داخل القرية ، فيتشابه الكاتبان فى تقديم الريف من خلال رؤية ريفية تجمع بين هموم الفلاحين ومشكلاتهم وبين والأجواء الريفية وروحها من خلال رؤية واقعية لم تتخذ الريف إطاراً جغرافياً لقضايا الفلاحين .
ومقر الخدمة العامة داخل قرية ” سان لى وان ” شهد لقاءات أهل القرية وتشاورهم فى حل مشكلاتهم من شق الترع والطرق الجديدة وإشكالية الدخول إلى جمعية التعاونيات الزراعية ، ووصف الكاتب هذا المكان فى بداية الرواية وصفا تفصيليا ، فهو يقع فى الزاوية الجنوبية شرق القرية ، وفى الأصل كان منزلا لأحد وجهاء القرية ، قبل تأميمه من قبل الحزب كان يستخدم مقرا للخدمة العامة داخل القرية ( مثل ديوان لعمدة القرية ، مدرسة لأطفال القرية ، مدرسة ليلية لمحو أمية الفلاحين ،مكتبة لأهل القرية وغيرها من الإستخدامات ) ، واستخدم مقرا للجمعية الزراعية ومقرا لإقامة كوادر الحزب ، وقد تناول البحث بالتفصيل الأحداث كافة التى حدثت داخله .
أما عن منزل أسرة ” ما ” فقد شهد صراعا حقيقيا بين أفراد الأسرة الواحدة ، فهو من حيث التصميم يختلف نسبيا عن بقية منازل الأسرة ، إذ يحرص السيد ” ما ” على غلق المنزل فى مواعيد ثابتة يوميا ، على الرغم من عدم انتشار السرقة فى القرية ، وربما أراد الكاتب أن يصفه بعدم تقبل الأفكار الجديدة التى طرأت على القرية ، وقد صور الكاتب تفاصيل المنزل كاملة حتى إنه تطرق لذكر صندوق خشبى كانت تحتفظ به أسرة ” ما ” ورثته عن أجدادها الذين كانوا من سلالة إقطاعية فى عهد أسرة تشين ، فعلى عكس مقر الخدمة العامة المفتوح للجميع للتشاور والتحاور فى مشكلات القرية ، يأتى هذا المنزل ليعبر عن التمسك بالأفكار القديمة الإقطاعية البالية ،فأفراد أسرته ناهضوا الفكر الجديد وعملوا على حماية مصالحهم .
ومن أوجه التشابه بين الكاتبين تصوير القرية فضاءً رئيساً لأحداث الرواية خصها الكاتب الصينى بقرية معينة هى ” سان لى وان ” بينما لم يحدد لها الشرقاوى اسما ، وتصوير منزل العمدة فى ” الأرض ” و منزل أسرة ” ما ” ومنزل عمدة القرية ” فان دنغ جاو ” فى صورة أماكن تأوى أشخاصاً ناهضوا مصالح الفلاحين ومصالح أهل القرية ، ومن أوجه الاختلاف تصوير الشرقاوى لمعظم الأحداث داخل حقول الفلاحين على عكس شو لى الذى صور معظم الأحداث داخل مقر الخدمة العامة ، وربما يرجع ذلك لاختلاف الثقافة الصينية عن المصرية ، ولميل الكاتب الصينى لخدمة أفكار الحزب الشيوعى فى ذلك الوقت .
الفصل الثاني فقد خصصته لسرد الأحداث والبناء الدرامي في الروايتين وأوجه التشابه والاختلاف، وقد قسمت هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، يأتي الأول منها بعنوان ” الشخصيات الفاعلة والعلاقات بينها ”، أما المبحث الثاني فقد تحدثت فيه عن ” الصراع في الروايتين ”، وخصصت المبحث الثالث للحديث عن ” الأسلوب في الروايتين ”.
المبحث الأول : الشخصيات الفاعلة والعلاقات بينها
تناولت فيه الشخصيات الرئيسة والثانوية فى الروايتين، والشخصية تـُعد عنصراً مهماً من عناصر القصة ، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، فـالشخصية ” هي المحور الذي تدور حوله القصة كلها.. لا معنى ولا وجود لأية قصة إلاّ بما فيها من شخصية أو أكثر ”( ) ومن الشخصيات الرئيسة التى تناولتها بالتحليل التفصيلى فى الروايتين شخصية البطل ، وعلى رأس الشخصيات التى تتجسد فيها صورة البطل الفرد الذى يستمد بطولته من الجماعة من خلال معايشته لمجتمعه وتفاعله مع بقية الشخصيات فى رواية ”الأرض” تأتى شخصية عبدالهادى ، أما عن شخصية البطل فى رواية ” سان لى وان ” فهى شخصية ” وانغ جين شن والذى أظهره الكاتب ذكيا فطنا يدرك مشكلات قريته ويتعامل معها ، وعكس حبه للعمل الجماعى من خلال تلك الورقة التى خطها بيده ولخص فيها مشكلات القرية وكأنها خطة عمل .
1- الملمح الشكلى الجسدى للبطل فى الروايتين :
عبدالهادى يجسد شخصية رجل القرية وحاميها والمدافع عنها فى شدائدها عامة ، ومصدر كبريائها وفخرها ، فهو أمهر لاعب بالعصى فى أفراحها وأشجع رجالها ، وأكثرهم فتوة وأقواهم بدنا ، وشهامته يضرب بها الأمثال ،وفى الأفراح يرتدى دائما الثوب الكشمير الذى لايلبسه إلا أكابر القرية ،كما جاء على لسان الراوى ” وذات يوم جاء عبدالهادى إلى دارنا قبل العصر وطلب منى أن أذهب معه إلى فرح كبير وكان يلبس جلباباً فضفاضا من الكشمير الكحلى ،ويمسك بيده الشمروخ الطويل ذا الشهرة الواسعة بين هواة لعب العصا ” ، أما عن وانغ جين شن عاش داخل قريته فى أسرة بسيطة ، شأنه فى ذلك شأن غالبية القرية ، ولم يبد الكاتب اهتماما كبيرا لرسم الملمح الجسدى لبطله ، بل أعار كامل تركيزه على الدور الاجتماعى الذى أداه فى قريته .
2- الملمح النفسى ، وقسمته الى ( الملمح الفكرى – الملمح السلوكى الأخلاقى – الملمح الوجدانى )
فعبدالهادى ثابت صلب جذوره ضاربة فى الأرض وأقدامه مغروسة فى الفدان الذى يملكه والذى لا يملك العمدة أكثر منه ، ومن الأرض يستمد قوته وتنبع الكثير من صفاته ورجولته ، وهو على درجة كبيرة من الوعى الكامل بمشكلات القرية وواقعها ، فهو يدرك تماما أن الحكومة فاسدة وتقف فى صف الباشا ضد الفلاحين ، ونراه فارسا بطلا فى صراعه مع السلطة فهو يصر على مواجهتها صراحة ومباشرة وليس كما تفعل هى بلجوئها للطرق الملتوية فنراه يتشاجر مع رجال هندسة الرى ويشتم العمدة والحكومة بلا خوف . وعلى المنوال نفسه تأتى شخصية وانغ جين شن ثابتة راسخة وداعمة لسياسة الحزب داخل القرية فهو يشغل منصب سكرتير الحزب ، ويحب العمل الجماعى ويعمل على مساعدة أهل القرية فى حل مشكلاتهم ، ويتمتع بروح ثورية تضحى من أجل الجميع .
3- الملمح الاجتماعى
نشأ عبدالهادى فى أسرة ميسورة الحال ، فقد تتلمذ فى كتاب الشيخ الشناوى ، ودرس فى المدرسة الأولية فى القرية المجاورة وكان حريصا على قراءة كتب الموواويل ،وألف ليلة وليلة ، وسيف بن زى يزن وغيرها من كتب التراث التى كان يحضرها له زوج أخت وصيفة من البندر ، وجاءت لغته معبرة عن وعيه ومقدار ثقافته وتأثره بالأدب الشعبى فنراه يردد دائما بعض المواويل الشعبية ، أحب عبدالهادى وصيفة وبادلته هى الأخرى المشاعر نفسها ، ولكنها جاءت مترددة بين الزواج منه أو من محمد أفندى ، وفى النهاية تزوجت من عم كساب . أما عن وانغ جين شن فنشأ فى أسرة بسيطة ، عمل والده فى حقول الغير فى السابق مما أكسبه مهارات عده فى مجال فلاحة الأرض والنجارة والحدادة وغيرها ، ويسكن هو وزوجته وولداه مع والده فى منزل واحد يجمعه مع أخيه وأخته ، واكتسب من والده مهارات عده مما يجعله يسهم فى ابتكار بعض الألات الزراعية التى أسهمت فى حل مشكلة أهالى قريته ، وهو لايعرف من القراءة والكتابة إلا القليل ، ومع ذلك كان له الدور الرئيس فى قريته .
وتعددت الشخصيات فى الروايتين ، ونجح الكاتبان فى رسم شخصيات حية ومفعمة بالحسياة تعيش ظروفها وتتأثر بها تفعل الأحداث وتتفاعل معها ، وتتقبل الفعل وتقوم برد الفعل ، ومن الخصائص التى جمعت بين الكاتبين تخليهم عن ظهور فكرة البطل الفرد وتحديده فى صورة شخصية واحدة ، وذلك لتأثرهم بالواقعية الإشتراكية التى تجعل من العمل الجماعى بطلا للأحداث ، وتجعل من الشخصيات الرئيسة أبطالا حقيقية تستمد قوتها من روح الجماعة ، ومع اختلاف الثقافة بين البلدين الإ أننا نجد تشابها كبيرا فى الصفات التى تحلى بها عبدالهادى وجين شن من مساندتهما لأهل القرية والعمل على حل مشكلاتهم ومناهضتهما للظلم والفكر الإقطاعى البالى .وأيضا من الأمور التى جمعت بين الكاتبن تقسيم شخصيات الروايتين إلى فريقين فريق الفلاحين الكادحين الذين يعملون بشرف ويكدون من أجل لقمة العيش ومن أجل الدفاع عن مصالحهم ومصالح أهل القرية ، وفريق آخر يتمسك بأفكار قديمة ويعمل على اضطهاد الفلاحين وترهيبهم وقمعهم وانتزاع أراضيهم .ولم يغفل الكاتبان دور الشخصية النسائية فى الروايتن ، بل جعلا من المرأة شخصية رئيسة تشارك فى الأحداث وتؤثر فيها .
المبحث الثانى : الصراع في الروايتين
وتناولت فيه تعريف الصراع والحبكة الروائية ،وبناء الأحداث فى الروايتين ، ومظاهر الصراع والحبكة فى الروايتين
”الحدث هو كل ما يؤدى إلى تغير أمر أو خلق حركة أو إنتاج شئ” داخل الرواية ، وهو كل ما تقوم به الشخصيات فى حدود الزمان والمكان . تدور أحداث رواية الأرض حول فكرة كفاح الطبقة الكادحة وانتصارها. وتتمثل تلك الأحداث فى صراع الفلاحين ضد حكومة صدقى وأعوانها ، هذا الصراع الناتج عن مشكلة الرى ، ونزع ملكية الأرض لإقامة السكة الزراعية . فهوصراع بين معسكرين ” معسكر أعداء الأرض والفلاح ، وهم أجهزة الدولة وأدواتها لتدعيم سلطان الباشا الإقطاعى فى القرية ومعسكر الفلاحين الذين يملكون قطعا صغيرة من الأرض يزرعونها بعرقهم ولا يكادون يجدون رغيف العيش ” ومن هنا تتصاعد الأحداث ويشتد النضال من أجل الحصول على الماء للأرض ، والاحتجاج على القوائم الانتخابية التى تضم أسماء منهم من ليس فى قيد الحياة أصلا ، والتمرد على نجاح مرشح حزب الشعب حتى يرفض الشيخ حسونة ناظر المدرسة استقباله فى مدرسته بل يرفض استقباله أصلا مما أدى إلى نقله من بلدته إلى بلدة بعيدة عقابا له ، وتتوالى الأحداث وتتصاعد حتى يصل فى وقت إلى نضال بين الفلاحين بعضهم البعض فيتشاجرون من أجل أحقية أسبقية رى الأرض ، وحينئذ تكون البداية الحقيقة للرواية ، وتشتد المعركة بين المعسكرين كما تشتد مقاومة فلاحى القرية وعلى رأسهم ”عبدالهادى” و محمد أبوسويلم وغيرهما من الذين لم يخيفهم الضرب والحبس ، وما إن تنتهى هذه المواجهة حتى يسلمنا الكاتب إلى مواجهة أخرى وصراع آخر بين الفلاحين والحكومة التى تريد إقامة جسر لا ضرورة له يأخذ فى طريقه جزءا كبيرا من الأرض الزراعية فى القرية وذلك لخدمة الباشا الذى سوف تصل السكة الزراعية إلى قصره ، ويأخذ النضال شكلا آخر ضد محاولات انتزاع ملكية الأرض ، ويرتبط الجميع الفلاحون ، ومعهم الفرسان القادمون من أسوان - الهجانة – وحراس السجون ، يتحد الجميع فى المقاومة والنضال ،من مقاومة سرية ، وهجوم ليلى ، واشتراك النساء فى النضال ، وحبس الرجال ، وإطلاق سراحهم ، تلك الأحداث التى تؤكد الوعى الاجتماعى لدى الفلاحين فى القرية ، والظلم الذى تعرضوا له .
أما عن أحداث رواية ” سان لى وان ” فإنها تدور حول عناصر رئيسة هى الحصاد فى موسم الخريف ، التسجيل فى قوائم الحزب ، وتوسعة الجمعية الزراعية ، وشق الترعة وغيرها من العناصر التى تدور عليها الأحداث ، ويصور الكاتب الصينى تلك الأحداث من خلال تصويره لحياة أربعة أسر رئيسة فى القرية ، أسرة ”ما ” ، أسرة ” وانغ جين شن ” ، أسرة ”ما دوا شو ” ، وأسرة ” يوان تيان تشنغ ” ، وانتقالهم من الفكر الإقطاعى إلى الفكر الاشتراكى ، ويرسم صور للمناحي الحياتية لهم كافة فى تلك الفترة ، من خلافات أسرية تصل إلى حد الطلاق ، مشادات بين جيل الأبناء والآباء وغيرها . وتبدأ أحداث القصة بعرض صورة عن المشهد العام داخل القرية ، مرورا باجتماعات الحزب ، والتغلب على العقبات التى واجهتهم من أجل إنشاء الطريق وشق ترعة داخل القرية وأبرزها حل مشكلة حقل ” داو با شنغ ”ونزع ملكيته من مالكيه وتعويضهم بقطعة أرض أخرى لتمكين شق الطريق الجديد .
أما عن الصراع فهو ” كفاح حول القيم والسعي من أجل السلطة والقوة والموارد المحددة بهدف تحديد الخصوم والقضاءعليهم... ” ، وبالتالي فإن الصراع له أسبابه فهو يستوجب أطرافاً متصارعة يسعى كل طرف منها للقضاء على الطرف الآخر. والصراع النفسى :وهو ” حالة انفعالية تتسم بالشعور والتردد والحيرة والقلق والتوتر ، تحدث للفرد عندما يتعرض لهدفين أو دافعين متعارضين ، لا يمكن إشباعهما ، أو تجنبهما فى وقت واحد ” ، فلم ينسى الشرقاوى هموم الفلاح ومشكلاته الحياتية والنفسية ومشاعره الخاصة . فتحدث عن معاناة أهل القرية فى تلك السنوات العجاف وكفاحهم من أجل لقمة العيش وصراعهم الداخلى من أجل البقاء ، فالصراع من أجل لقمة العيش جعل أهل القرية يقذفون بأبنائهم إلى المدينة باحثين عن عمل ، ولكنهم يعودون صفر اليدين ، وتحدث عن الصراعات الداخلية لبعض شخصيات الرواية مثل حب عبدالهادى لوصيفة والصراع النفسى الناتج عن هذا الحب.
ومن الصراعات النفسية التى حدثت فى رواية ” سان لى وان ” ذلك الصراع الذى نشب داخل أسرة ” وانغ جين شن ” بين أخيه الأصغر وزوجته ذات الأصول الإقطاعية ،التى تأثرت بأمها كثيرا ، فكانت متمردة على زوجها وترفض العيش معه وتحمل ظروفه ، مما أدى فى النهاية إلى طلاقها منه .وأيضا صراع بنت العمدة ” فان دنغ جاو ” معه من أجل إقناعه بدعم أفكار الحزب ومساندة الجمعية الزراعية فهو يمثل صورة الإقطاعى المحافظ على مصالحه داخل الرواية .وتكرر هذا الصراع فى أسرة ” ما ” أيضا .
والصراع الاجتماعى : هو ” عملية اجتماعية تحدث عن قصد بين فردين أو أكثر أو بين الجماعات ، أو بين الطبقات فى المجتمع الواحد متمثلا فى الصراع بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال أو بين الفلاحين والإقطاعيين أو بين الأحزاب السياسية أو بين المجتماعات بعضها البعض ”
فالصراع الرئيس قائم على فكرة حماية الأرض ، فهى تستقطب ” كل حركة القرية فى رواية الأرض عناية بها وحرصا عليها وخدمة لها وضنا بها أن تموت عطشا ، أو تموت لتصبح طريقا إلى سراى الباشا ، ودفاع الفلاح عن الأرض فى وجه الأخطار التى تتعرض لها هو مصدر الحركة الحية والنابضة فى معظم أجزاء رواية الأرض وهو الذى يشدنا إلى الرواية ” والصراع الرئيس فى رواية ” سان لى وان ” كان بين فريقين ، فريق يساند الفكر القديم وفريق يدعم مبادئ الحزب وينادى بالتسجيل فى قوائمه وينادى بإقامة الجمعية الزراعية من أجل النهوض بالقرية .
”الحبكة فى الرواية هى بنية النص ، أى النظام الذى يجعل من الرواية بناء متكاملا . فتسلسل الأحداث البسيط لا يصنع رواية ، بل يصنعها ترتيب الوقائع واستخلاص النتائج .فالحبكة حركة حيوية تحول مجموعة من الأحداث المتفرقة إلى حكاية واحدة متكاملة ضمن إطار حدث رئيس . وهى لا تتكون من ترتيب الظروف بل من تقدمها وتراجعها وتطورها وتحولها من حال إلى حال جديدة .” إن الحبكة فى رواية الشرقاوى عموما ” تتمثل فى صراع جماعة من البسطاء المضطهدين إزاء سلطات غامضة ، ومن خلال الصراع يدرك الفلاحون حقيقة أعدائهم ، وقيمة اتحادهم وتماسكهم وينضج وعيهم ” ،وحبكة الشرقاوى متماسكة وقوية ، ولجأ إلى أساليب فنية ساعدت فى ذلك ومنها على سبيل المثال رسم نهاية واقعية متفائلة للرواية ، وإن كان يشوبها بعض الخلل فى بعض المواقف مثل أنه لجأ إلى الاستطراد الذى يوقف تدفق الحبكة ويعوق إندفاعها فى مسارها الطبيعى ، فنراه يقطع تسلسل الحدث باستعراضه لتاريخ شخصية ما أو مناقشة فكرة معينة فى أسلوب يشبه الخطبة من حيث الطول ، وطريقة العرض التى تميل إلى التقريرية أحيانا ، والتى تكون مملة فى بعض الأحيان ، مثل مناقشة أفكاره السياسية على لسان طبيب العيون، وهذه من أكبر المآخذ على حبكته وإن جاءت قوية متماسكة . كذلك الحال فى رواية ” سان لى وان ” فالحبكة داخل الرواية جاءت متماسكة ، وعمل جاو شو لى على ايجاد حلول للصراعات كافة من خلال تدفق الحبكة وسير الأحداث داخل الرواية ، ولجاء الى بعض الأساليب الفنية التى ساعدت على ذلك ومنها تعليق حل مشكلة حقل ” داو با شنج ” الى نهاية الرواية حتى يصنع نوعاً من أنواع التشويق داخل روايته ، والاستعانة بشخصية الرسام والذى ظهرت لوحاته فى نهاية الرواية فى الأجتماع الأخير للحزب ، والتى بينت حال القرية ووضعها الراهن ومستقبلها القريب والبعيد بعد إتمام الإصلاحات التى ينادى بها الحزب الشيوعى .
المبحث الثالث : الأسلوب في الروايتين
وتناولت فيه الأسلوب السردى فى الروايتين ، اللغة فى الروايتين ، الحوار فى الروايتين
المنظور السردى فى رواية الأرض هو الاسترجاع وفيه نجد ” إحدى الشخصيات فى موقف معين ، تستدعى ، أو تسترجع حادثة سابقة لها علاقة ما بطبيعة الموقف الذى تعيشه داخل الرواية . وعملية الاسترجاع قد تستدعى لحظة عابرة أو موقفا محدود الطول نسبيا أو قد تستدعى الجزء الأكبر من أحداث الرواية ” ، وهذا ما نراه فى الأرض حيث عاد المؤلف بذاكرته عشرين عاما إلى الوراء ، وراح يسترجع ما دار بقريته خلال صيف سنة 1933 م بعد أن نجح فى الشهادة الابتدائية ، وعاد من القاهرة إلى القرية ليقضى فيها أجازة الصيف .
أما الأسلوب السردى فقد استعمل عددا من الوسائل تكسبه حيويته وتضفى عليه تنوعا يزيل الرتابة والملل عن المتلقى ، وقد جاء فى معظمه على لسان الراوى ، فنجده فى مواقف كثيرة يقطع السياق ،ويتحدث عن أفكاره ، ويقدم الأحداث ، ويحكى عن الطبقات الاجتماعية ، والصراعات بينها ، ويستعين بالمونولوج الداخلى ، وهو حوار من جانب واحد ،فنراه يتحدث عن قريته وقرى الكتاب الذين سبقوه فى الكتابة عن القرية مثل طه حسين ، والمازنى ، وهيكل وغيرهم . ولم يكثر الشرقاوى من لوحاته الوصفية بوصفه جزء من سرده ، فهى تأتى غالبا وصفاً للطبيعة بشكل رومانسى ، وترتفع وتيرة السرد فيأتى سريعا تتلاحق فيه الأحداث ،ويستخدم الكاتب الافعال الماضية وهى بطبيعتها تعين على إندفاع السرد وتدفقه ، ويعتمد الكاتب فى روايته على استخدام الضمير الاول وهوضمير المتكلم ”أنا” ومن هنا فقد اتخذ الشرقاوى بنفسه موقف الراوى المشارك فى الأحداث وإستخدامه طريقة السرد بهذا الضمير بهذه الطريقة ” تجبر الكاتب على الالتزام بخيط السرد ، فلا يخبرنا الإ بما شاهده بنفسه ،أو سمعه ،أو فعله ، وشعر بصدق ما يعبر عنه ، فيأتى تصويره لللأحداث واقعيا ”
أما عن جاو شو لى فقد اتبع أسلوب السرد المتسلسل السهل والبسيط تماشيا مع فن القصة الصينى ومراعاة منه للقارئ الريفى ، وتأتى فيه الأحداث متلاحقة مسلسلة ، الحدث نتيجة ما سبقه ، استخدم فيه الراوى الغائب العليم بالأحداث والمختفى وراءها ، الذى لا يظهر ولايشارك فى الحدث ، وتتسلسل الأحداث وتتطور مع حركة الشخصيات داخل الرواية ، واستخدم فى روايته ضمير الغائب ، الذى لايشارك فى الحدث ولا يصنعه ، وإنما يقصه فقط على لسان شخوصه .ونجح جاوشو لى بالاستعانة بالصور الوصفية للقرية ، والتى رسم بها شكل القرية من مناظر طبيعية ، وصور بها الحياة الريفية على أكمل وجه .
والمتتبع للغة الشرقاوى فى الرواية يجده قد أغرق فى لغة الريف وإستعمل مفردات إختصت بها القرية المصرية مما يؤكد عمق انتمائه ، وامتداد جذوره فى أعماق ريفنا المصرى .لقد استعار من لغة الريف ما ساعده كثيرا على ” تصور نماذجنا البشرية ومعايشتها بمنطقها ، وفكرها . وهو أمر قد يبدو سهلا هينا فى نظر البعض إذ لايحتاج إلى قواعد أو العودة إلى أصول الكلمات واشتقاقتها ..ولكن صعوبته بالنسبة للكاتب تظهر فى عملية الانتقاء التى تعترضه عندما يدير حواره بين نماذجه .. فإنه مطالب بينه وبين نفسه والثقافة والذوق والمعايشة والملاحظة الدقيقة ودلالة الكلمات وإيحاءاتها دائما بأن يبرر ما يختار ويدافع عما يدع مستخدما المعرفة والخبرة وعمقها أوسطحيتها ومدى تاثيرها ومعناها ”. والشرقاوى راعى التناسب بين المستوى اللغوى للشخصية ومستواها الثقافى والاجتماعى، لقد وظف الشرقاوى العامية الريفية بطريقة تشير إلى كون هذه اللغة جزءا من ثقافته وهى ثقافة اكتسبها من معايشته للفلاحين ، وقدرته على نقل حواراتهم بصدق وتلقائية .
وإذا تتبعنا سرد الكاتب فى لغته رأيناها لغة يميزها الأسلوب السهل ، والصدق النابع من حرارة العاطفة وقوتها، ومن هنا كانت مشاركة بقوة فى تعميق الإحساس بالموقف والجو المحيط ومعبرة عن وجهة نظر المؤلف ورؤيته للمشكلة أو القضية التى يتناولها .
ولغة السرد عند الكاتب تغشاها فى مواقف كثيرة ”صيغة الوعظ المباشر ، والأحاديث المفصلة عن الموضوعات السياسية ، مما أثر فى البناء الفنى لروايته سلبا ، فنحن نستطيع أن نحذف أجزاء كثيرة من كل رواية ، دون أن تتاثر أحداثها ، أو البناء الفنى لشخصياتها بذلك الحذف ، مما يؤكد أن هذه الأجزاء دخيلة على البناء الروائى ، والوعظ فى هذه الرويات يتجاوز بكثير منطق الأحداث أو تحليلها ، ويتعارض مع ما يراد للفن الروائى من بعد عن المباشرة ، والدعاوى الخطابية ”
ولغة جاوشولى سهلة وعذبة وصادقة ، ولها سحر خاص ، فهو بلا شك واحد من الكتاب الذين أجادوا فن استخدام لغة الريف واللهجات المحلية الخاصة بكل منطقة فى الصين، وراعى تناسب اللغة مع المستوى الثقافى للشخصيات داخل الرواية ، ولغة كل شخصية أظهرت البعد النفسى لها ، وهى لغة تنبع من الثقافة الشعبية للريف الصينى ، استخدم فيها الموروث الشعبى من حكم وأمثال ،واستخدم فى بعض الأحيان مفردات وتعبيرات جديدة داخل الرواية .
إن حوار الشرقاوى فى إبداعه الروائى قد أعان ” على الكشف عن نفسيات الشخصيات المتحاورة ، وأسهم فى تطوير الأحداث بما يترتب عليه من أفعال ، وقام برسالة لم تهدف إلى غايات جمالية ، لكن المهم أنه جسد المشكلة القديمة ، وهى مشكلة الازدواج اللغوى والتنازع بين الفصحى والعامية أو بين لغة السرد ولغة الحديث فى الحوار الروائى وأرى أن الانتقال من السرد الفصيح إلى الحوار العامى يخلخل إلى حد بعيد ما ينبغى للعمل من وحدة البناء وانسجام عناصره ”
ووظف الشرقاوى ثقافته الشعبية توظيفا ذكيا وتأثر بها فى الرواية ، فأسماء بعض الشخصيات عنده مستمدة من الأدب الشعبى مثل دياب ، وخضرة ، ويشبه أبطاله بأبى زيد الهلالى وعنترة ، بل إن بعض أبطاله كعبدالهادى يقرءون ألف ليلة وليلة وسيرة سيف بن زى يزن وكتب المواويل .
كذلك برع فى استخدام المواويل فى السرد والحوار ... والتراث الشعبى الذى يستوحيه الشرقاوى يتنوع إلى موال – أغنية شعبية – مثل شعبى – حكاية شعبية ويأتى الموال على رأس هذه الأنواع ، ومعلوم أن الموال يرتبط بالفلاح وحياته وذلك بحكم طبيعة الموال الفنية وقدرته على التعبير عن الحزن الدفين فى نفس الفلاح .وتعددت أغراض المواويل التى إستخدمها الشرقاوى ، واختلفت باختلاف مقاصد قائلها ، ولعل أظهرها وأكثرها حضورا وتكرارا هو ذلك الموال الذى عبر عن الحب وأهواله .
إن حوار الشخصيات فى رواية ” سان لى وان ” يكشف للقارئ عن عالم كل شخصية ، فكل شخصية لها طابعها الخاص ، على سبيل المثال حوار وانغ يو مى يظهر شخصيتها المتقلبة والمترددة والتى فى الغالب يحكمها الاستعجال فى الأمور ، و ما يو يى حواره فى الغالب يحكمه البطء والتأنى مما ينم عن شخصيته المترددة أحيانا والجبانة أحيانا أخرى ، و وانغ مان شى جاء حواره متفائلا منفتحا ينم عن شخصيته . فنجح جاو شو لى فى الكشف عن ما يدور فى داخل كل شخصية من خلال أسلوبها فى الحوار والأمثلة على ذلك كثيرة فى الرواية .
أما الفصل الثالث والأخير فقد تناولت في ثناياه ” القيم الثقافية بين الروايتين ”، وقسمت هذا الفصل أيضا إلى ثلاثة مباحث، تحدثت في الأول منها عن ” الروح الجماعية فى الروايتين ”، وخصصت المبحث الثاني للحديث عن ” الثقافة الذكورية ومواقفها من المرأة في الروايتين ”، أما المبحث الثالث فتناولت في ثناياه ” المكانة الأدبية للروايتين ”.
المبحث الأول : الروح الجماعية فى الروايتين
ولم يهتم الشرقاوى بتصوير بطولة فردية فى الراواية ، بل ركز على التماسك الوثيق بين أفراد القرية تجاه الأخطار التى تهدد القرية ، وأظهر روح الجماعة فى التصدى لمعظم تلك المخاطر التى تواجههم من قلة مياه الرى وصولا لانتزاع أراضيهم لشق طريق زراعى ، ومن بين هذه الشخصيات البارزة عبدالهادى ومحمد أبوسويلم ووصيفة والشيخ حسونة ومحمد أفندى ودياب وغيرهم من الفلاحين . فنراه يؤكد على الدور الفعال للبطولة الجماعية للفلاحين ووعيهم العميق بما يدور حولهم ، فهم على دراية بما يحدث من تزوير فى الانتخابات وقاطعوها وتحركوا ضد الحكومة ”والفلاحون يعرفون أن الحكومة الجديدة قد جاءت فصنعت حزب الشعب ، وبدأ العمدة يعد كشوف الانتخابات ويكتب أسماء الأموات والغائبين عن القرية الخ ” . ومن الشخصيات التى حثت الفلاحين على العمل فى صورة جماعية والتخلى عن الفردية شخصية محمد أبوسويلم ،فنراه ”يحاول دائما أن يحث الجماعة على الاستجابة للحركة الواحدة ، وصيغة العمل المشتركة ، التى يشارك فيها كل منهم بدوره ،ويتكاتف مع غيره فى سبيل هدفهم المشترك .”
وجاوشولى من أوائل الكتاب الذين سخروا أقلامهم لخدمة الفلاح بعد ندوة ” يان آن للفنون والآداب ” التى عقدها الزعيم الصينى ماو عام 1942 م ، وكان له دور عظيم فى الكتابة عن التحولات التى طرأت فى الريف الصينى على طريق الاشتراكية الجديد ، وهو يعظم قيمة العمل الجماعى ، حتى إنه لم يفرد لشخصية واحدة دور البطل ، بل صاغها فى صورة أبطال جماعية يغلب عليهم العمل الجماعى تحت راية الحزب الشيوعى فى مناهضة الإقطاع ، ويستمد كل شخص بطولته من الروح الجماعية ، ويعمل فى إطار الجماعة وليس منفردا ، فالرواية فى مجملها جاءت تلبية لنداءالحزب الشيوعى الذى من أهم مبادئه العمل الجماعى ، فنجد أن كل حدث من أحداث الرواية له بطله الخاص والذى يتغير بتغير الحدث ، فالرواية تخلو من البطل المتفرد بالبطولة ، فأحداث الرواية هى التى تحرك شخصياتها وتحثهم على مواجهة مشكلاتهم فى صورة جماعية ، ومن الشخصيات التى ساعدت على صنع الروح الجماعية فى الرواية شخصية ” وانغ جين شن ” سكرتير الحزب فى القرية .
المبحث الثانى : الثقافة الذكورية ومواقفها من المرأة في الروايتين
ارتبط الفلاح المصرى فى قريته بثنائية الأرض والمرأة ، وقد تعددت صورة المرأة وأدوارها والمهام التى يعهد بها إليها الشرقاوى فى رواية الأرض ، ولكنها ” تتواءم باعتبارها أنثى مع الأرض عبر السرد لتملأ مساحة واسعة وعميقة داخل عاطفة الفلاح ... ويمكن القول عبر هذه الثنائية بأبدية العلاقة على الرغم من أن علاقة الأرض بالفلاح تبدا سابقة لعلاقته بالمرأة بصفتها أنثى ، فهو يكتسب وجوده الإسمى والذاتى من الأرض فى علاقته التفاعلية معها .” فعبدالهادى ربط فى حلمه بين الأرض والمرأة ” جلس عبدالهادى قليلا على أرض الجسر أمام الجميزة ، ولف سيجارة وألح عليه الشعور بالحاجة إلى أن يحدث أحدا ، وتمنى لو أن معه وصيفة تجلس إلى الساقية أمام ثور كبير يدور بالساقية ، وهو يروى أرضه من بعيد ، هى تغنى على الساقية وهو يغنى هناك وسط الماء المنسكب . وهز عبدالهادى رأسه بجوى وتنهد ورمى سيجارته وبدأ يهمهم ياولدى ، ياولدى ، ياسيدى اه ، وشعر بحب مباغت لكل شئ :لوصيفة ، ولعلوانى ، وخضرة ، ولكل ما فى القرية ”
وأبرز دور الابنة فهى تشغل بال أبيها دائما ، يفكر فى زواجها ، فوصيفة تشغل بال أبيها محمد أبوسويلم ، ويخشى عليها من رجال القرية ، ويبدو ذلك واضحا عند الشيخ يوسف الذى لمح لمحمد أفندى أن يتزوج من ابنته ، وأخذ يعدد مزاياها فى حضور الشيخ حسونة ”قهوة ، وطبيخ ، وخبيز ، وغير بقى الصلاة والصوم ، والعبادة ” ولكن محمد أفندى لم يهتم بهذا الأمر ، فهو يراها ”عجفاء بوجهها الأسمر الجاف العبس كوجه أبيها وخديها المفرغتين وقوامها النحيل ، ونهديها الصغيرين وجلبابها الأحمر يكشف عن ساقين مهزولين ”
على الرغم من أن معظم شخصيات الرواية من الذكور ، فإن الشرقاوى لم يغفل دور المرأة فى القرية ، لقد اهتم الشرقاوى بتصوير المرأة فى مجتمع القرية فأبرز علاقاتها بالأرض والفلاح ، وصور المراة الريفية فى أحوالها المختلفة ، صورها فى بيتها وحقلها ودفاعها عن شرفها وكرامتها وأرضها . والنساء تحركن حركة جماعية متناغمة فى الرواية وذلك ردا لفعل الأحداث فى غياب الرجال ، فالنساء عند اعتقال الرجال واجهن العمدة لإهانته لشخص وصيفه وسبها بأمها ، وتكرر هذا المشهد الجماعى لغرضا أخرأيضا سوى الانتقام من العمدة ، فتجمعن وعلى رأسهن وصيفة من أجل جنى محصول القطن من أرض محمد أبوسويلم قبل أن تدهسه أرجل عمال الترحيلة.
واحتلت المرأة مكانة بارزة فى رواية ” سان لى وان ” فلم تخل أسرة من أسر الرواية من وجود العنصر النسائى بداخله ، وانقسمت صورة المرأة فى الرواية إلى فريقين ، فريق المرأة الإقطاعية ذات الأفكار البالية ، والتى لم يذكرها الكاتب باسمها ، بل أعطاها كنية خاصة بها ، مثل ” صاحبة الحجة ” و ” المنظمة ” و ” صاحبة القدرة العالية ” ، والفريق الأخر تمثل فى جيل الشباب من نساء القرية ، حيث اهتم بهم وذكرهن بأسمائهن ، وهن من كوادر الحزب ، ومن العاملات فى الحقول ، ومن المتعلمات اللائى يقمن على فصول محو الأمية فى مقر الخدمة العامة فى القرية ، ومنهن ” يو مى ” و ” فان لين جى ” وغيرهن . وقد اهتم جاو شو لى بجيل الشباب من النساء ، وصورهن بعيدا عن المورثات الصينية ، صورهن مشاركات فى الحياة الإجتماعية ، يحلمن بالتغير ويخطين خطوات ثابتة نحوه ، يعبرن عن أرائهن بحرية ، ولهن دور بارز فى مجتمعهن الريفى .
المبحث الثالث : المكانة الأدبية للروايتين
تعد رواية الأرض نقطة تحول بارزة ومضيئة فى تاريخ الأدب العربى المعاصر وذلك لأنها تقدم رؤية واقعية شاملة لعلاقة الفلاح بالأرض حيث ”أضافت الأرض إلى تراث الرواية العربية رهطا من الشخصيات الريفية الحية ، احتلت مكانها فى ذاكرة قراء العربية ، وجدنا فيها للمرة الأولى محاكاة صادقة لحديث الفلاح ولهجته واهتمامه .”
وعبرت رواية الأرض عن معظم قضايا الفلاح فهى ” تنبع من إيمان عميق بحق الإنسان فى الحياة الحرة الكريمة ،وتكشف كشفا شاملا عن الأم ، الأرض ، والفلاح ،وتخطط للشخصيات الفلاحية تخطيطا أيديولوجيا يضفى عليها من الواقعية ، والصدق التاريخى بعدا لا يستهان به ” حيث عبرت الرواية برؤية واقعية عن واقع الفلاح فى القرية المصرية فى اوئل الثلاثينيات حيث قدمت صورا اجتماعية متكاملة ومغايرة لكل من سبقوه من الكتاب الذين تناولوا القرية ، فالشرقاوى حاول أن يصور القرية ذاتها وصور الفلاح المصرى وعلاقته بالأرض والزرع وماء الرى وعمله اليومى وكفاحه من أجل لقمة عيشه وتظلمه وثورته ضد بطش الإقطاع وبطش الحكومة ، فالشرقاوى ” يحاول رؤية القرية رؤية موضوعية ، ويحاول رصد حركتها الذاتية والتعامل مع الفلاحين كبشر ” .
رواية ”الأرض ” للشرقاوى نجحت فى طرح استمرارية الصراع فى القرية ولم تجمده عند حدود معينة ، مما أكسبها ”أصالتها فى تاريخ روايات الكفاح ضد القهر والنضال البشرى للخلاص من البطش والاستغلال ،والتعبير عن الواقع فى الريف المصرى ،فى الأزمنة التى صورتها ،ذلك الواقع الذى حفل بالصراع من أجل الحرية ،ومن أجل الحياة ”. وهى كما وصفتها الدكتورة فاطمة موسى ”أول من أنطق الفلاح المصرى فى الرواية العربية ”
أما عن جاو شو لى فقد لقبه النقاد ” بالقلم الحديدى ” الذى عمل طوال حياته على مناصرة الفلاح الصينى ، وروايته ” سان لى وان ” هى أول رواية تحدثت عن التعاونيات الزراعية فى الريف الصينى بعد تأسيس الصين الشعبية ، وجاءت تلبية لنداء الزعيم الصينى فى ندوة ” يان آن للفنون والأداب ” والتى نادى فيها بتسخير الكتاب أقلامهم من أجل خدمة العامل والجندى والفلاح الصينى ،وأظهرت الرواية الحس السياسى العالى لللأديب جاو شو لى ، ومدى تفانيه فى خدمة أفكار الحزب الشيوعى الصينى ،واحتلت الرواية مكانة مرموقة فى الأوساط الأدبية الصينية ، ولاقت ترحيبا كبيرا مع صدورها ، وطبع منها فى المرة الأولى 380000نسخة ، وسرعان ما تحولت لعمل مسرحى وعمل أوبرالى ، وترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية .
الخاتمة : أذكر فيها نتائج البحث ، وأعرض فيها أهم نقاط التشابه والاختلاف