Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
جريمة النصب عبر الانترنت /
المؤلف
عزت، حسام فتحي محمد أنور.
هيئة الاعداد
باحث / حسام فتحي محمد أنور عزت
مشرف / نبيل مدحت سالم
مشرف / عمر محمد سالم
مناقش / مصطفى فهمي الجوهري
الموضوع
قانون جنائى.
تاريخ النشر
2017.
عدد الصفحات
587ص. :
اللغة
الإنجليزية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2017
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قانون جنائى
الفهرس
Only 14 pages are availabe for public view

from 549

from 549

Abstract

لقد شهد القرن العشرون تطوراً مذهلاً في مجال الاتصال، وشكلت الشبكة العنكبوتية الدولية (الانترنت) أعجوبة القرن التي امتدت عبر كل أنحاء المعمورة وربطت بين شعوبها فأصبحت وسيلة التعامل اليومي بين أفراد مختلف الطبقات والمجتمعات.
وأمام اختلاف العقول والمستويات العلمية لمستعملي شبكة الانترنت ظهرت ممارسات غير مشروعة، فأصبحت هذه الشبكة أداة ارتكابها أو محلاً لها حسب الحالة، مما أدى إلى ظهور طائفة جديدة من الجرائم العابرة للحدود، مختلفة عن باقي الجرائم التقليدية، وقد سميت بالجرائم المعلوماتية أو الالكترونية أو جرائم الانترنت.
إن جرائم الانترنت هي امتداد لما عرف بجرائم الحاسوب، والمقصود بجرائم الحاسوب ”كل عمل إجرامي – غير قانوني – يرتكب باستخدام الحاسوب كأداة أساسية، ودور الحاسوب في تلك الجرائم قد يكون هدفاً للجريمة أو أداة لها”.
وعندما ظهرت شبكة الانترنت ودخلت جميع المجالات كالحاسوب، بدءاً من الاستعمال الحكومي ثم المؤسساتي والفردي كوسيلة مساعدة في تسهيل حياة الناس اليومية، وانتقلت جرائم الحاسوب لتدخل فضاء الانترنت كأداة أساسية، وكما هو الحال في جرائم الحاسوب، وكذلك جرائم الانترنت قد تكون هدفاً للجريمة أو أداة لها.
والمقصود بجرائم الانترنت هو: ”أي نشاط غير مشروع ناشئ في مكون أو أكثر من مكونات الانترنت، مثل مواقع الانترنت، وغرف المحادثة، أو البريد الالكتروني، ويمكن أن تشمل أيضاً أي أمر غير مشروع، بدءاً من عدم تسليم البضائع أو الخدمات، مروراً باقتحام الكمبيوتر (التسلل إلى ملفات الكمبيوتر) ووصولاً إلى انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والابتزاز على الانترنت وسرقة الهوية والاحتيال المعلوماتي وقائمة متنامية من الجرائم الأخرى التي يسهلها الانترنت”.
وقد جاء في تعريف الخبراء المتخصصون من بلجيكا تعريفاً لجرائم الانترنت بأنها: ”كل فعل أو امتناع من شأنه الاعتداء على الأموال المادية أو المعنوية يكون ناتجاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة” عن تدخل التقنية المعلوماتية.
إن جرائم الانترنت تعتبر تهديداً مباشراً أو غير مباشر لتقدم البشرية بواسطة أعمال إجرامية يقوم بها أشخاص يسيئون استخدام التكنولوجيا الحديثة، وهذه الجرائم تتسم بالصعوبة والتعقيد، لأن الحاسب الآلي هو أداة ارتكابها فلا يمكن ارتكاب أي جريمة على شبكة الانترنت إلا وكان جهاز الكمبيوتر والهاتف المحمول وسيلة ارتكابها، وتعتبر شبكة الانترنت هي حلقة الوصل بين كافة الأهداف المحتملة لتلك الجرائم المرتكبة كالبنوك، والشركات..... الخ.
ومرتكب جرائم الانترنت ذو خبرة فائقة في مجال الإعلام الآلي، فمتى تقع جريمة الانترنت يجب أن يكون الفاعل متمكن من التقنية ومتمتع بالدراية العالية لاستخدام الحاسب الآلي.
وتتسم الجرائم الناشئة عن استخدام الانترنت ومنها جريمة النصب بأنها خفية ومستترة في أغلبها، لأن الضحية لا يلاحظها، رغم أنها قد تقع أثناء وجودة على الشبكة، فلا ينتبه لها إلا بعد وقت من وقوعها، بسبب تعامل الجاني مع نبضات الكترونية غير مرئية، ولأن الجاني يتمتع بقدرات فنية تمكنه من إخفاء جريمته بدقة، مثلاً سرقة الأموال والبيانات الخاصة وسرقة الهوية والمكالمات وغيرها من الجرائم التي يكون الاحتيال عنصراً مهماً فيها.
إن المجرم في جريمة النصب والاحتيال المعلوماتي عبر الانترنت يحتال على الضحايا والمعلومات التي يحملها الانترنت وتكون في شكل رموز مخزنة على وسائط تخزين ممغنطة ولا تقرأ إلا بواسطة الحاسب الآلي.
إن أهم تكنولوجيا عرفتها البشرية على مر عصورها هي تكنولوجيا الحاسبات الآلية، فهذه الحاسبات – مع ما تتصل به من أجهزة الاتصالات – اصبحت موجودة في كل المجالات ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى عاملي السرعة والدقة اللذين توفرهما هذه الحاسبات، بحيث أصبح من الصعب أن تقوم القطاعات المختلفة بأداء أعمالها دون الاعتماد بشكل أساسي على الحاسبات الآلية، ولا شك أن اتصال الحاسبات الآلية بوسائل الاتصال قد ضاعف من أهميتها ومن الاعتماد عليها، كما أن هذا الاتصال قد أثمر عن أوجه أخرى للتقدم في هذا المجال لعل أبرزه على الاطلاق هو ظهور شبكات المعلومات.
ومنذ القرن الماضي ومع التطور التجاري في مجال الحاسبات الآلية قد بدأ استخدام برامج الحاسبات الآلية للقيام بالعمليات الحسابية، ثم حدث تطور في مجال الحاسبات الآلية حيث تم الفضل بين البرامج المسئولة عن تشغيل الحاسبات الآلية وبين المكونات المادية لها، ومن هنا بدأت صناعة برامج الحاسبات الآلية في التطور بصورة كبيرة، وأصبحت هذه البرامج منتجاً في ذاتها، كما بدأ في هذه الفترة أيضاً التطور في صناعة الدوائر المتكاملة ثم أسفر ذلك ما يسمى بثورة الحاسب الآلي الشخصي والتي وفرت أرضاً خصبة لكثير من الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالحاسبات الآلية، حيث أصبحت هذه الحاسبات متاحة للجميع.
ويبدو أن السبب الرئيسي وراء تطور الحاسبات الآلية الشخصية هو ظهور ما يعرف بالمعالجة الآلية للمعلومات وما يرتبط بها من بنوك المعلومات وكذلك الاتصال الخارجي بواسطة الحاسبات الآلية، وقد بلغ التوسع الكبير في استخدامها حيث أصبحت لها قيمة كبيرة لما تحتوي عليه من معلومات يمكن تخزينها واسترجاعها في ثواني معدودات، فقد اصبحت المعلومات تجوب العالم في سرعة كبيرة، فشبكات المعلومات التي تربط بين الحاسبات الآلية في مختلف أنحاء العالم جعلت اعتماد المعاملات المالية بشكل أساسي على هذه الحاسبات الآلية.
وعلى جانب آخر، فإن الحاسبات الآلية لم يقتصر دورها على تقديم حياة أفضل للمجتمع بصفة عامة، بل أن النمو المتلاحق لصناعة الحاسبات الآلية وانتشار استعمالها سواء على المستوى الشخصي أو الشركات أو المؤسسات، وتزايد الاعتماد عليها في تخزين المعلومات بحيث أصبحت هذه الحاسبات مستودع أسرار الأشخاص سواء تلك المتعلقة بحياتهم الخاصة أو أموالهم ونشاطهم الاقتصادي، وقد أدى كل ذلك إلى ظهور أنماط جديدة من الاعتداء على تلك المعلومات، مما أظهر الحاجة إلى توفير حماية قانونية لها وأصبحت الحاسبات الآلية توفر للجناة وسيلة هامة لارتكاب العدد من جرائم الاعتداء على الأموال والتي قد تتخذ صورة للسرقة أو النصب أو التزوير أو الاتلاف.
كما ظهرت جرائم ارتبطت بالحاسبات الآلية مثل إعادة انتاج رقائق الحاسبات الآلية على نحو غير مشروع، واستعمال البرامج الخبيثة (الفيروسات) وارتبطت أيضاً الحاسبات الآلية بسلوكين اكتسبا أهمية خاصة نظرا لعدم مشروعيتهما في ذاتهما من ناحية، واعتبارهما من ناحية أخرى مرحلة ضرورية لارتكاب الغالبية العظمى من جرائم الحاسبات الآلية هما الدخول والاستعمال غير المصرح بهما لنظام الحاسب الآلي، وهو ما حدا بكثير من التشريعات إلى تجريمهما بنصوص خاصة.
طورت جرائم النصب على شبكة الانترنت زمن الاحتيال الساذج فيما مضى، وازداد المحتالون دهاء باستخدام أساليب الاحتيال الالكتروني الحديثة سواء استغلال البريد الالكتروني أو بروتوكول نقل الملفات أو التلنت أو الويب وغيرها من الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تستخدم عبر الانترنت وتؤدي إلى تحقيق مكاسب ضخمة للمجرمين ممن يستغلونها بالاحتيال والخداع للضحايا والاستيلاء على أموالهم وأرقام حساباتهم المصرفية أو بطاقاتهم الائتمانية وكلمات السر الخاصة بهم وبيعها في السوق السرية، ليقوم المشتري لها باستخدامها في شراء السلع والحصول على النقود أو استخدام المعلومات بإصدار بطاقات هوية مزيفة.
والجريمة في عمومها هي إفراز للمجتمع ومظهر من مظاهره، فهي تعكس كافة ما تموج به المجتمعات من ظروف وأسباب، مرجع ذلك ما يحويه السلوك الإنساني في علاقاته المتشابكة من جمع لعنصري الخير والشر وتصارعهما بصفة دائمة في دورة الحياة اليومية، وبالتالي يستحيل إمكان تصور خلو الحياة دون اجتماع مظهريهما، أما الحاسب الآلي في حد ذاته فيمكن القول بأنه بمثابة أداة محايدة قد تستخدم في الخير من أجل زيادة الاستثمارات ورقي المجتمع بشكل عام، وقد تستخدم في الشر كأداة لارتكاب بعض الجرائم أو من أجل اخفاء الغش.
وأدى الاستخدام المتعاظم للحاسب الآلي والاعتماد عليه في أغلب نواحي الحياة، سواء في شكل أموال معلوماتية ”Biens Informatiques” وأساليب مستحدثة إلى ظهور ما يعرف بالإجرام المعلوماتي( )، وهذا نتيجة طبيعية وحتمية لكل تقدم تقني مستحدث، كما أن هذا النوع من الإجرام المستحدث موجه بصفة أساسية باتجاه الأموال أو الأشخاص، ويستمد هذا الإجرام نشاطه من القدرات الهائلة التي يقدمها الحاسب الآلي.
وقد أحدثت ثورة المعلوماتية التي نعايشها انقلاباً كبيراً في مفهوم الجريمة، من حيث تنوع وحداثة الأساليب المستخدمة في ارتكابها، فيستطيع المجرم المعلوماتي وهو جالس في منزله أو مكتبه عن طريق الاستعانة بالتكنولوجيا المعلوماتية؛ أن ينفذ النظام المعلوماتي سواء كان خاص بفرد أو بمؤسسة أو حتى بدولة، وتكون المعلومات المسجلة والمخزنة بداخل هذا النظام نهباً مباحاً يتلاعب فيها بكافة الأشكال والصور، سواء بإتلافها أو تحريفها وتزويرها أو سرقتها، أو باستخدامها كوسيلة لارتكاب جريمة معلوماتية أخرى، كأن يتلاعب بها مما يؤدي إلى تحويل بعض أرصدة الغير من الأموال، وهو ما يطلق عليه التحويل الالكتروني للأموال الذي قد يشكل جريمة نصب( ).
وهذه المعلومات المسجلة الكترونيا وسواء المخزنة بداخل النظام المعلوماتي أو خارجه على وسيط من وسائط التخزين ”كأسطوانة أو شريط ممغنط”، قد تكون على قدر كبير من الأهمية والقيمة، فهي تمثل نوعاً جديداً من الأموال يعرف بالأموال المعلوماتية، وقد تكون هذه المعلومات ذات طبيعة مالية أو اقتصادية وقد تكون اسمية وهنا يبرز شبح المساس بحرمة الحياة الخاصة، ويكفي للتدليل على أهمية المعلومات أنها أصبحت الآن بمثابة سلعة تباع وتشترى وتقوم وفقاً لسعر السوق وعلى حسب ظروف العرض والطلب، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يعرف بالسوق السوداء للمعلومات بجانب السوق الشرعية لها، ويمكن القول في سبيل إيضاح أهمية المعلومات بصفة عامة أنه يتوقف اتخاذ أي قرار في أي مجال على كم المعلومات المتوافرة لدى صادره، وقد شبه البعض المعلومات بأنها بمثابة البترول الرمادي Petrol Gris، نسبة إلى مركز المخ الذي يرى العلماء أنه وحده المسئول عن ذكاء الإنسان، ويرى البعض الآخر( ) أن المعلومات هي المحور الذي تدور حوله المعلوماتية، وهي أيضاً بالنسبة لأجهزة الكمبيوتر بمثابة القلب للإنسان، في حين يشبهها البعض( ) بأنها ذهب الحاسبات Computer Gold، اعتبرها البعض الآخر( ) أنها بمثابة سلطة رابعة داخل الدولة.
إن الأساليب الحديثة التي تستخدم عبر الانترنت سواء في شكل البريد الالكتروني أو بروتوكول نقل الملفات والتلنت والويب أصبحت مناخاً خصباً للاحتيال والنصب وكذلك استخدام الانترنت كوسيلة للإعلانات الخادعة والإيهام بالمشروعات الوهمية والمزادات الخادعة وغيرها من وسائل الاحتيال تؤدي لانخداع الضحايا وتحملهم على تسليم أموالهم للجناة.
وقد خلفت شبكة الانترنت سلسلة من التحديات الجديدة والتهديدات الخاصة للحياة الشخصية، فهي تزيد من كمية البيانات المجمعة والمعالجة باعتبارها مصدر غني بالمعلومات، كما أنها أتاحت عولمة المعلومات والاتصالات العابرة للحدود دون أي اعتبار للجغرافيا والسيادة، وقد تحول هذا النوع من الاحتيال إلى تجارة رابحة قدرت بمئات المليارات من الدولارات كل عام، الأمر الذي حدا بكثير من الدول لإصدار التشريعات التي تجرمها بنصوص خاصة.

أهمية موضوع البحث:
تنبع أهمية هذا البحث من خطورة جرائم الاحتيال عبر الانترنت على الأموال العامة والخاصة، وازدياد هذه الخطورة في ظل التقدم الهائل في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، التي أصبحت – جرائم النصب والاحتيال في ظلها – ظاهرة عالمية، ازداد خطرها وشاع ضررها حيث أمتد نشاط المحتالين إلى أكثر من دولة، وأصبح المحتالون يشكلون عصابات إجرامية منظمة، وتكمن أهمية هذا البحث أيضاً بأنه يتعلق بجريمة ذات سمات خاصة، جريمة أصبحت تمثل ظاهرة عالمية تهدد الأفراد والدول، وتهدد الأنشطة الاقتصادية والفردية والدولية.
وكان لزاماً أن يواكب هذا فهماً كاملاً للجريمة المعلوماتية والاحتيال عبر الانترنت وكيفية مواجهتها سواء من الناحية التقنية وهو عمل المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات، أو من الناحية القانونية وهي مهمة المشتغلين بالقانون، ولقد ذاد من أهمية البحث صعوبة تطبيق النصوص التقليدية على هذه الجرائم وذلك باستعراض الأنظمة القانونية المختلفة، وهو ما دفع كثير من الدول إلى التدخل التشريعي لمواجهة جريمة النصب والاحتيال المعلوماتي عبر الانترنت، وهو ما يكفل لنا التعرف على الاتجاهات المختلفة في التعامل مع هذه الجريمة.
والمشرع الجنائي المصري لم يستخدم قوانين لمواجهة جريمة النصب التي تقع بواسطة الانترنت وإنما يتم اللجوء إلى القواعد التقليدية في القانون الجنائي، وهنا تظهر التحديات لأن هذا القانون يستلزم وجود نص التجريم والعقاب من ناحية أخرى بالإضافة إلى الصعوبات التي تقف حائلاً دون ضبط المجرم مرتكب هذه الجريمة إما بسبب عدم جواز تطبيق قانون الدولة عليه ووجوده خارج دائرة اختصاصها أو ارتكاب الجريمة خارجها وامتداد آثارها إلى أراضيها دون إمكانية ضبطها لعدم اختراق قواعد القانون الدولي.
تحديد منهج البحث:
إن الاحتيال بالنصب عبر الانترنت، يعد بطبيعة الحال جريمة الأموال الأولى المتداولة عبر الانترنت، فإن الفقه – يعاونه في ذلك اتجاهات المشرع المقارن – ارتكب ما يمكن أن يعد في مصاف التعميم غير المقيد بحيث عدت جريمة الاحتيال والنصب الجريمة التي تجب كل جرائم العدوان عبر الانترنت، ومثل هذا الأمر في الحقيقة يجعل الأموال تندرج كلها في عنوان واحد وهو النصب والاحتيال على أنه لما كان لجرائم الاحتيال مكانة خاصة في جرائم الانترنت فإن هذا الأمر يقودنا إلى ضرورة بحث العلاقة بين نظرية الاحتيال وبين الانترنت، فإذا أمكن التوصل إلى إقامة علاقة نوعية بين الاثنين فإن هذه العلاقة يمكن أن تصبح الأساس الذي يبنى عليه تقسيم جرائم الأموال ككل عبر الانترنت.
إن الانترنت وسيلة أو أداة تواصلية ذات قيمة مشروعة، وليس كل من يقوم بحركة اقتصادية عبر الانترنت – سيما أعمال التجارة الالكترونية – يعد محتالاً، وفي هذه القيمة الاقتصادية المشروعة مما يجعلنا ننأى عن افتراض منطق إمكانية تواجد علاقة لإضافة الاحتيال عبر الانترنت إلى نظرية الاحتيال، وإنما تضاف إلى ذلك العنوان الكبير الذي يحتويه قانون العقوبات وهو جرائم العدوان على الأموال، وذلك لاتساع مدلول الاحتيال لكي يصل في مداه إلى التطور البالغ في احداثيات النصب على البورصة العالمية بأشكال وأساليب مختلفة، ومن ذلك التلاعب في أعمال البورصة بما يجعل أسهم الشركات ترتفع وتنخفض وعلى النحو الذي يحقق مكاسب غير مشروعة.
إن النصب عبر الانترنت من أشد الجرائم المتداولة، بحيث يشير بصفة عامة إلى أي نموذج احتيالي يستخدم فيه برمجيات الانترنت التي تساعد على إحداث الاتصال بالغير مثل غرف المحادثة والبريد الالكتروني والنشر التراسلي ومواقع التصفح... الخ لكي يتم الدعاية الخادعة على الضحايا فيتم الايقاع بالمجني عليه سواء كان شخصاً طبيعياً أم معنوياً عن طريق إقامة صفقات خادعة في هذا الإطار.
والعالم الافتراضي بطبيعته يعد أسلوباً فنياً وذلك أمر يسهل أكثر على قيام جريمة النصب، لكون العالم الافتراضي بذاته أسلوباً فنياً والحركة فيه ذات قيمة تقنية بل ويمكن القول أن مسألة إيقاع الشخص في الغلط المكون لجريمة النصب، الذي مناطه الحبك والنسج لما يخالف الحقيقة، إنما له مدلول أعمق وأوسع تأثيراً في المجني عليه عندما يكون ذلك النشاط متوافر عبر الانترنت عما هو عليه الحال في العالم المادي، إذ أنه من السهولة بمكان عبر الانترنت اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو إقامة مشروع كاذب أو إعداد وثيقة مزورة أو إحداث الأمل بربح وإعداد برمجية وهمية أو إعداد سندات مالية غير صحيحة وهذه كلها وقائع مكونة لجريمة النصب.
ولما كانت هذه الجريمة ترتبط بتقدم المجتمعات، فكلما زاد اعتماد المجتمع بمؤسساته المختلفة على الحاسبات الآلية كلما كان ذلك إيذاناً بزيادة معدل جرائم الاحتيال، لذا كان لزاماً أن يواكب هذا التقدم فهماً كاملاً للاحتيال عبر الانترنت وكيفية مواجهته سواء من الناحية التقنية وهو عمل المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات، أو من الناحية القانونية وهي مهمة المشتغلين بالقانون.
ولقد زاد من أهمية البحث صعوبة تطبيق النصوص التقليدية على هذه الجريمة، وذلك باستعراض الأنظمة القانونية المختلفة، وهو ما دفع كثيراً من الدول إل التدخل التشريعي لمواجهة الاحتيال المعلوماتي، وهو ما يكفل لنا التعرف على الاتجاهات المختلفة في التعامل مع جريمة الاحتيال عبر الانترنت.
الغرض من البحث:
تعد المعلومات من أهم مقومات الحياة ومن أبرز ركائز التقدم الحضاري، ولها ارتباط وثيق بجميع ميادين النشاط البشري وهي تشكل جزءاً لا يتجزأ من هذا النشاط، فالإنسان يعتمد على المعلومات في جميع نواحي حياته الخاصة والعامة وفي كل خطوة يخطوها وهكذا كانت المعلومات وما زالت من الظواهر التي صاحبت الإنسان منذ نشوء البشرية عندما وجد الإنسان على وجه الأرض وأحس بحاجته الطبيعية للتعايش والتواصل مع أخيه الإنسان، ومن هنا حرص الإنسان على تبادل المعلومات وتناقلها من جيل إلى آخر ليفيد ويستفيد.
وقد اتخذت هذه العملية أشكالاً مختلفة ووظفت لها وسائط متنوعة حسب الامكانات المتاحة للإنسان في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري، كما أن هذه الأشكال والوسائط قد مرت بمراحل تطور متعاقبة بحسب تطور الحضارات الإنسانية على مر العصور، فمن الأشكال والوسائل الرمزية والشفاهية وغيرها في العصور القديمة، ومن المخطوطات في العصور الوسطى تطورت عملية تبادل المعلومات ونشرها إلى الأشكال والوسائل المطبوعة الورقية واللاورقية كالكتب والمجلات والموسوعات والأقراص الليزرية وشاشات طرفيات الحواسيب، والأقمار الصناعية وما سواها من وسائط ونظم نشر المعلومات واقتنائها وخزنها واسترجاعها وبثها.
وفي هذا العصر ظهر اهتمام متزايد بالمعلومات كونها ثروة وطنية تلعب دوراً استراتيجياً حيوياً في ميادين أنشطة المجتمع، وقد دفع هذا الاهتمام الدول والمؤسسات والأفراد إلى بذل جهود حثيثة في مجالات السيطرة والتحكم بمورد المعلومات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وقد نتج عن هذه الجهود العديد من نظم وشبكات المعلومات التعاونية، وتأتي الانترنت شبكة الشبكات في مقدمة هذه كلها.
الانترنت، شبكة الشبكات، هي أبرز ثمرة نتجت عن تلاحم ثورات كونية هي ثورة المعلومات، وثورة الاتصالات، وثورة الحواسيب، كما أنها – أي الانترنت – تمثل أبرز النماذج العالمية في الاستفادة من خدمة الشبكة الرقمية المتكاملة Network Integrated Digital، والانترنت شبكة معلومات عالمية تربط آلاف من شبكات الحواسيب المنتشرة في بقاع العالم بعضها ببعض، ويستخدمها ملايين من البشر.
ومما تقدم يمكن القول بأن الانترنت يقدم تسهيلات إلى المستفيدين منها الخدمات البريدية، ونقل المعلومات والبيانات والبرمجيات من حاسوب إلى آخر، الاتصال بمراكز البحوث والمعلومات، البحث عن أية معلومة أو خبر عن أي موضوع معين، الوقوف على أحدث المستجدات العلمية والتقنية والثقافية، ومزاولة الانشطة التجارية والاستثمارية، التعامل مع البنوك – إيداع – سحب – تحويل، الدخول إلى قواعد البيانات الببليوغرافية، التعليم والتدريس عن بُعد، الاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام حسب الطلب، الحوار مع الآخرين، النشر الالكتروني، متابعة الصحف والمجلات، شراء الكتب من الناشرين أو الموزعين، الإعلان عن السلع والخدمات من قبل الأفراد والمؤسسات والاطلاع على ثقافات المجتمعات التي لها مواقع على الانترنت.
وقد أدى التطور التكنولوجي لتقنية المعلومات والتقدم السريع في تطور الأجهزة والبرامج المعلوماتية واعتماد قطاعات عديدة في المجتمع على المعلومات في شتى المجالات فقد اتسعت دائرة استخدام الحاسبات الآلية في الفترة الأخيرة بشكل متسارع وأصبحت كافة أجهزة الدولة والمؤسسات العامة والخاصة والأفراد تستخدمها في إدارة شئونها لذا فقد أصبح لزاما على الدولة أن تحمي هذا الكيان الجديد وتوفر له وسائل تأمينية تتفق وطبيعته، خاصة وأن لجرائم المعلومات عبر شبكة الانترنت كالاحتيال تتسم بأنها جريمة لا أثر لها بعد ارتكابها ويصعب الاحتفاظ الفني بآثارها إن وجدت، كما يسهل اخفاء معالم الجريمة ويصعب تتبع مرتكبيها، ويلعب البعد الزمني والمكاني والقانوني دوراً هاماً في تشتيت جهود التحري والتنسيق الدولي لتعقب هذه الجرائم.
وجرائم الاحتيال ليست بالحديثة العهد، فهي موغلة في القدم، ولكنها من الجرائم التي تطورت صورها وأنماطها وأساليب ووسائل ارتكابها مع مرور الوقت، وهي من الجرائم التقليدية مثلها في ذلك مثل السرقة وخيانة الأمانة، ولكنها بالرغم من ذلك أخذت طابعا خاصاً بين هذه الجرائم التقليدية، فقد تميزت عنها باتباع المحتال أساليب تقوم على أعمال الذهن والتفنن والابتكار والقدرات المهارية، إذ يمارس المحتالون أساليب ووسائل خداعية، بالإضافة إلى قدراتهم على تكييف هذه الأساليب والوسائل بما يتلاءم مع تطورات التقنية الحديثة والمتغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والحضارية، ويساعدهم في ذلك أن ضحايا الاحتيال يسعون بأنفسهم إلى شراك المحتالين بدافع الطمع وحب الثراء بطرق سريعة وسهلة، كما يزينها لهم الجناة، فهم يعرضون بذكاء أكاذيبهم بمظاهر خارجية براقة، تسهم في إيقاع هؤلاء الضحايا في الوهم الذي يؤدي بهم إلى تسليم أسرارهم وأموالهم إليهم طوعاً واختياراً دون إكراه أو وسيلة ضغط على إرادتهم الحرة، لا سيما ممن تتوافر فيهم السذاجة وحسن النية( ).
يشهد العالم في عصرنا ثورة معلوماتية أصبحت بيئة خصبة لجرائم النصب والاحتيال، حيث نراها تتكاثر وتزداد يوما بعد يوم، حتى وصلت إلى دول كثيرة في العالم الثالث، وقد ظهر هذا النوع من الاحتيال في عقد الثمانينات عندما بدأ انحسار شركات النفط النيجيري فيما بعد بدأ النصب يأخذ منحنى مختلف عندما بدأ المحتالون بإرسال رسائل إلى أناس مختلفين محاولين إقناعهم بالاستثمار في قطاع النفط وبإرسال مبلغ معين من المال على أمل الحصول على (صفقة العمر) فيما بعد، ويسمى حالياً البريد الالكتروني ومما ساعد على انتشار هذه الجرائم البحث المشترك لكل من المجرم والضحية عن المال بأيسر الطرق ودون عناء، فلم يعد المجرم اليوم بحاجة إلى أدوات وآلات تقليدية لارتكاب جريمته، لأن المجال الآن أصبح أوسع ويكاد يكون جهاز الكمبيوتر هو الوسيلة الوحيدة الأهم المستعملة في هذا النوع من الاحتيال( ).
ولقد كانت جريمة الاحتيال جريمة محلية وطنية في أطوارها المتقدمة، لكن مع التقدم التقني والتكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال تخطت جرائم الاحتيال الحدود الوطنية وأصبحت جرائم عالمية عابرة للحدود، وقد استفاد المحتالون من معطيات العصر وتطوراته التقنية والعلمية( ).
الصعوبات التي واجهها الباحث:
تزداد الصعوبات إزاء قصور القواعد القانونية التي تناولتها التشريعات الجنائية وضعف الاجتهادات القضائية وندرتها فهي لم تعد كافية محل كل ما تثيره الأساليب الحديثة للنصب عبر الانترنت، ومن الطبيعي أن وجه الإجرام المعلوماتي القبيح لم يطل سائر دول العالم في لحظة واحدة، وإنما كان منطقياً ظهوره في البداية في الدول المتقدمة في التكنولوجيا المعلوماتية، والدول المعنية هنا هي بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، حيث تعد الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها مهد المعالجة الآلية للمعلومات أول من هبت عليها ريح هذه الظاهرة الإجرامية المستحدثة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ثم غزت بعد ذلك دول أوروبا، أما البلدان النامية أو الحديثة العهد بالتكنولوجيا المعلوماتية فلم تعرف ظاهرة الإجرام المعلوماتي إلا في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وهو التاريخ الموافق لزيادة استعمال هذه الدول للتكنولوجيا المعلوماتية بشكل مكثف وسريع.
والمعنى أن بدايات ظاهرة الإجرام قد ارتبطت بالدول الحائزة لقصب السبق في مجال إنتاج واستخدام التكنولوجيا المعلوماتية( ).
ولما كانت الأساليب الحديثة للنصب عبر الانترنت قد تتولد عن استخدام كافة الوسائل المتاحة على الحاسب الآلي سواء تمثل في الاحتيال المعلوماتي من بريد الكتروني وويب أو في صور الخداع والإعلانات والمزادات الوهمية عبر الانترنت الأمر الذي تدخل معه كافة الصور التي يقوم عليها النصب عبر الانترنت تحت مفهوم الجريمة المعلوماتية.
ويمكن القول بأن المشرعين في مختلف النظم القانونية قد اختلفت ردود أفعالهم تجاه ظاهرة الجريمة المعلوماتية فمنهم من عالجها عن طريق استحداث نصوص خاصة كالولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا( )، ومنهم من لم يتعرض لها بشكل عام محاولاً تطويع النصوص العامة لتطبيقها على الأنماط المختلفة للجريمة المعلوماتية، والمشرع المصري ينتمى لهذه الطائفة الأخيرة ويشاركه في ذلك غالب الأنظمة القانونية للدول العربية مثل سوريا والأردن( ).
وتعد كل من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة هما الدولتان العربيتان حتى الآن اللتان أصدرتا تشريع يعتبر شبه كامل يوفر الحماية الجنائية للمعلوماتية لمفهومها الواسع( ).
خطة البحث:
في بداية دراستنا لموضوع جريمة النصب عبر الانترنت ”دراسة مقارنة” نتناول في فصل تمهيدي فكرة عن شبكة الانترنت والمعلوماتية، ثم نتناول في بابين ما يلي:
الباب الأول: الجوانب القانونية لجريمة النصب عبر الانترنت.
الباب الثاني: الاتجاهات التشريعية والفقهية والتطبيقات القضائية من جريمة النصب عبر الانترنت.