الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص تحتل الدراسات والبحوث الفكرية مكانة الصدارة في البحوث التاريخية وذلك لأن دراسة تاريخ الفكر الإسلامي لا تزال تحتاج إلى المزيد من الاهتمام بالفكر التاريخي على نحو خاص بحيث يجب أن تتوجه جهود الباحثين إلى الاهتمام ما يسمى بعلم الهستوغرافيا نظرا لأن بعض هذه الدراسات في هذا الصدد اعتمدت على الجانب التقني أكثر من تبني تاريخ الفكر الإسلامي وحسبنا في ذلك المؤرخون وبصفة خاصة مؤرخو الإباضية في بلاد المغرب الذين لم تتناولهم أيدي الباحثين بالدراسة الكافية لذلك اتجه الباحث إلى دراسة مؤرخو الإباضية دراسة ”ميكروسكوبية” من خلال أطروحة يتقدم بها لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي حيث أن بعض مؤرخي الإباضية كان معاصراً أو قريب العهد من الدولة الرستمية التي أسسها عبد الرحمن ابن رستم الذي فتح أبواب تاهرت على مصراعيها أمام العلماء والفقهاء والمفكرين من كل الفرق والمذاهب الإسلامية. وتعتمد تلك الأطروحة على دراسة مؤرخي الإباضية دراسة متكاملة في ظل ما وصلت إليه يد الباحث من مصنفاتهم، أما سقط منها في الضياع فقد تمر الأيام وتتعاقب السنين ويظهر من تلك المؤلفات المطورة ما يسد رمق الباحثين آنذاك فيكتفون عن جوانب جديدة في حياة المؤرخين والمجتمع في آن واحد. هذا وقسم الباحث الدراسة إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة تناول في التمهيد تعريف بلاد المغرب والإباضية ودخولها إلى بلاد المغرب ودرس الفصل الأول تاريخ الإباضية في بلاد المغرب والجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأثرها في إنتاج نخبة من العلماء والفقهاء والمؤرخين الذين كتبوا عدة جوانب فقهية وتاريخية. وخصص الفصل الثاني لمحتوى مؤلفات مؤرخي الإباضية في بلاد المغرب من حيث الموضوعات التي عالجوها كتاريخ المذهب الإباضي وكيفية انتقاله إلى بلاد المغرب ودور طلبة العلم في ذلك إضافة إلى الجوانب السياسية والعسكرية من خلال مؤلفاتهم مع مقارنتها مع بعض المصادر المعاصرة لها، كحديتهم عن الإمارة الخطابية والدولة الرستمية، والمواجهات العسكرية التي حصلت مع العباسيين ومقارنتها ببعض المصادر غير الإباضية من حيث الرواية والصدق فيها. وتصدى الفصل الثالث لدراسة المرجعية التاريخية لمؤرخي الإباضية، وتم التنويه من خلاله إلى المصادر التي اعتمدوا عليها في استقاء مادتهم العلمية والتي تنوعت ما بين مصادر مكتوبة إباضية وغير إباضية ومشاهدة عينية وروايات شفوية، إضافة إلى عدد من الوثائق بين ثنايا مؤلفاتهم. أما الفصل الرابع: فخصص للحديث عن المناهج التي اتبعها المؤرخين في تأليف كتبهم التاريخية ومدى ما أحدثوه من تطور خلال استخدامهم هذه المناهج بالإضافة إلى تقنيات البحث العلمي المتمثلة في الإحالة وعناصر الترجمة بوصفها وسيلة بعرض مادتهم. وخصص الفصل الخامس والأخير لتوضيح الرؤية التاريخية لمؤرخي الإباضية وذلك عن طريق الحديث عن مقاصد وغاياتهم في مؤلفاتهم، وإشكالية التحليل والتفسير والتأويل ومدى توظيفه للصدف والخوارق والأساطير والخرافات وكرامات الشيوخ، وتفسير الوقائع والأحداث التاريخية معتمدا في ذلك على كتب الميتولوجيا والهوسترغرافيا، كما تناول مصداقية كتاباتهم من خلال الموضوعية، خاصة وأنهم أدرجوا ضمن من ألفو للمذهب والأئمة والفقهاء والعلماء الإباضيين مع مقارنة ذلك قدر الإمكان بمن عاصرهم من المؤرخين الذين أرخو في مجالهم كما تحدث عن النقد في كتاباتهم متمثلا في مدى نقد المؤرخين للأخبار والروايات التاريخية. واختتمت الدراسة بخاتمة عرضت لأهم النتائج التي تم التوصل إليها، ومنها انتماء معظم مؤرخي الإباضية إلى الفرقة الوهابية (نسبة إلى عبد الوهاب بن رستم) مما كان له أثر كبير في كتاباتهم حيث اهتموا بالتاريخ السياسي وركزوا على الأئمة الرستميين وترجموا لأعلام المجتمع الإباضي من الفقهاء والمحدثين والعلماء وانتقدوا الحركات التي قاومت اللأئمة الإباضيين. كشفت الدراسة عن تعدد وتنوع موارد مؤرخي الإباضية ما بين مشاهدات عينية استمدوها من خلال مشاركة بعضهم في أحداث عاصروها، ومصادر شفهية اعتمدوا فيها على رواة كانوا مشاركين في الأحداث أو مشاهدين لها، وسجلوا معلومات غاية في الأهمية من خلال مشاهداتهم ومساءلاتهم وقد ساعدهم على ذلك رفعة مكانتهم وهو ما أتاح لهم الإطلاع على بعض الوثائق المهمة كالرسائل والجوابات وقد دون بعضهم هذه الوثائق في مؤلفاتهم، وذكر بعضهم مضمونها، وهو ما أسدى فائدة كبيرة لعلم التاريخ خلال هذه المرحلة، إضافة إلى اعتماد بعضهم على مصادر غير إباضية من أهمها كتاب الكامل في اللغة للمبرد (توفي 286هـ/ 899م)، وتاريخ إفريقية في المغرب للرقيق القيرواني (توفي 420هـ/ 1029م) وكتاب المسالك والممالك لأبي عبيدة البكري (توفي 487هـ/ 1094م). وكشف الدراسة أيضااعتماد مؤرخي الإباضية على المصادر الإباضية المكتوبة أكثر من المصادر السنية والشيعية، مع الإشارة إلى أصحاب المؤلفات الذين نقلوا عنهم في بعض أخبارهم ورواياتهم. بينت الدراسة أيضا حياة العلماء والفقهاء آنذاك من حيث الإشارة إلى مدنهم وقبائلهم وأصولهم ووظائفهم ووضعهم المادي من حيث الغنى والفقر، وعاداتهم وهو ما يخدم الناحية العلمية للمختصين والباحثين والمهتمين بمجال التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الإباضي في بلاد المغرب. بينت الدراسة إسهاب مؤرخي الإباضية بسرد الكرامات والقصص والحكايات الخرافية والأسطورية التي لا يقبلها العقل البشري. أوضحت الدراسة المناهج التي سلكها مؤلفي الإباضية، والتي لم تخرج من حيز مناهج سابقيهم من المؤرخون من استخدام المنهج الموضوعي أو الحولي أو الجمع بين المنهجين الحولي والموضوعي في مؤلف واحد، وندرة استخدامهم للمنهج الحولي وتعويلهم على المنهج الموضوعي. كشفت الدراسة عن إسهابهم في الحديث عن محاسن الأئمة الرستميين، لكون هذه المحاسن لا تسئ إلى الأئمة ، بيد أن مؤلفاتهم شابها التحيز والسكوت عمداً عن سلبياتهم وتحوير العبارات أحيانا بحيث تتحول السلبيات إلى إيجابيات في نظر القارئ مثل حديثهم عن الثوارت التي قامت على الرستميين وارجاعها إلى أن الأئمة أرادوا تولية أصحاب النفوس والورع في الولايات. |