Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الدور الاقتصادي للقاضي
الإداري في مصر وفرنسا/
المؤلف
جبر، محمد محمود سلامة.
الموضوع
القانون الخاص.
تاريخ النشر
2014.
عدد الصفحات
1089ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2014
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - القانون العام
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 1089

from 1089

المستخلص

لئن كانت دراسة تطور القضاء الإداري الفرنسي تعكس تاريخًا طوي ً لا
من الكفاح المستمر ضد خطر اتساع السلطة التقديرية للإدارة ، وكا ن هذ ا
الكفاح، قد مر بمراحل عديدة تنوعت وتعددت فيها وسائل وأساليب رقابته علي
أعمال الإدارة، وأدت في النهاية إلى الظهور التدريجي لأوجه إلغا ء القرا ر
الإداري حتى ظهور الوجه الأخير، وهو الغلط البين في الستينيات من القر ن
الماضي، فإن هذا التطور في دور القاضي الإداري كان يعكس في الوقت ذاته
تطورًا في وظائف الدولة، ووسائل وأساليب تدخلها في مختل ف المجالات ،
وبصفه خاصة في المجال الاقتصادي الذي شهد تحولات كبيرة ف ي النص ف
الثاني من القرن العشرين،وعلي وجه الخصوص، في العقود الثلاثة الأخير ة
تحت تأثير عوامل متعددة في مقدمتها تسارع وتبره التطورات العالمي ة ف ي
المجال الاقتصادي نتيجة لزيوع العولمة بما تقوم عليه من إزالة القيو د بي ن
الدول أمام التبادل التجاري، وإطلاق قوى المنافسة بينها، وأدت إلى تغييرا ت
جذرية في النظم والمراكز الاقتصادية، وغيرت الكثير من طبيعة العلاقات بين
الدول.
وقد عزز من حدوث هذه التحولات الاقتصادية، اعتماد الدول لاتفاقيات
تحرير التجارة العالمية وما أدت إليه من إنسياب حرك ة الأفرا د والبضائ ع
ورؤوس الأموال بين الدول.
كما ساعد علي ذلك أيضًا تنامي الاهتمام العالم ي بحقو ق الإنسا ن
وحرياته الأساسية، وفي مقدمتها حرية التجارة ، وحري ة ممارس ة النشا ط
الاقتصادي، وحرية العمل والحرية النقابية، وحرية المنافسة، وحرية التملك ،
وغيرها من الحريات التي شهدت تحو ً لا جذريًا في القر ن العشري ن حت ى
استقرت في الضمير الإنساني باعتبارها تمثل البنيان الذي يجب أن يقوم علي ه
نظام الحكم في أي دولة، بل والنظام الاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع.
ولئن كانت العوامل والتطورات الاقتصادية المتقدمة وما صاحبها م ن
تطورات قانونية وسياسية، قد أدت إلى تنوع وتعدد صور تدخل الدول ة ف ي
المجال الاقتصادي، وما أفضي إليه ذلك من بروز شكل جديد من أشكال تدخل
الدولة، وهو الدور التنظيمي،فقد أدت أيضًا إلي إضفاء طابع خاص علي نظ م
وقواعد التدخل، لكونها محصلة لمجموعة م ن الاعتبارا ت المعقد ة فنيًا ،
والمتشابكة اقتصاديًا من جهة، والمرتبطة بسياسة الدولة العليا، وعلاقتها بالدول
الأخرى من جهة أخرى.
واقتضى ذلك كله وجوب تمتع الإدارة بسلطات واسع ة تمكنه ا م ن
مواجهة هذه التطورات، ومواكبة هذه المتغيرات بما يضم ن تكي ف العم ل
الإداري معها، ويساير المستلزمات الحديثة للمنافسة الاقتصادية ، ويستجي ب
والسياسة الاقتصادية للدولة، ويلبي احتياجاتها.
وإزاء هذه الظروف، وهذا التغير والتنوع في الحياة الاقتصادية، وف ي
أساليب التدخل الاقتصادي للدولة، فقد أصبح من الضرور ي وجو د رقاب ة
قضائية فعالة ومتعمقة على أساليب ووسائل التدخل الاقتصادي للدولة، وعل ي
كافة القرارات الصادرة في المجال الاقتصادي، كي تواجه السلط ة التحكمي ة
للإدارة واختصاصاتها الواسعة في هذا المجال، رقابة تتحر ر م ن الإطا ر
التقليدي لرقابة للقضاء الإداري، وتنزل علي مفاهيم النظام الاقتصادي ومعاييره
وقواعده، وتتابع تطوره السريع، وما يعترك علاقاته من منافسات اقتصادية ،
مسلطة الضوء علي غاية المشرع من النصوص، والغرض الذي سع ى إل ى
تحقيقه. وقد أدى ذلك كله إلى إضفاء طابع خاص على الرقابة القضائية عل ى
القرارات الصادرة في المجال الاقتصادي، ليس فقط في مداها، ولكن في طريقة
ممارستها وطبيعتها.
هذه الشرعية الاقتصادية الجديد ة فرض ت عل ي القاض ي الإداري
استحداث وسائل وأساليب جديدة لرقابته تتوافق مع هذه المتغيرات في المجا ل
الاقتصادي. فالقاضي الإداري لا يعيش بمعزل عنها، بل يتأثر بها ويؤثر بها ،
وينفعل بها، ويتفاعل معها، من أجل ممارسة رقابة أكثر فاعلية ليس فقط عل ى
أسباب القرار الإداري- كما تجري الرقابة التقليدية- وإنم ا عل ي الظرو ف
والممارسات الاقتصادية. فتقدير شرعية القرار الاقتصادي لا يكون بالنظر إلى
أسبابه ووسائله والآثار التي ترتبت عليه فقط، وإنما أيض ًا إل ى ممارسات ه
وظروفه. ومن المؤكد أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال قيام ه بدو ر إنشائ ي
وإبداعي خلاق نزو ً لا على خصيصه أساسية للقضا ء الإداري، وه ي كون ه
قضاءًا إنشائيًا وليس قضاءًا تطبيقيًا، وحرية واسعةيتمتع بها في ممارسة دوره
الإنشائي، وهي حرية تتصف بالمرونة، وتمكنه من مواجهة ظرو ف الواق ع
ومتغيراته.
ولا ريب أن العوامل المتقدمة قد أدت إلى التحولات الاقتصادية الت ي
شهدها العالم وما صاحبها من بروز أشكال خاصة لوسائ ل وأسالي ب ت دخل
الدولة، وما ترتب عليها من آثار على صعيد اتساع سلطا ت الإدارة، وأهمي ة
اتساع سلطات القاضي الإداري وتفعيل دوره في ابتداع الحلو ل للمنازعا ت
المطروحة عليه، والقيام بدوره الإنشائي بسد الفرا غ الناش ئ ع ن غيا ب
النصوص التشريعية أو غموضها، أو عدم كفايتها، أو اكتشاف شروط قانوني ة
جديدة أو أسباب لم ينص عليها المشرع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى وجود ما
يسمى بالسلطة المقيدة قضائيًا.
وقد جسدت هذه التطورات في النهاية أهمية الدور الاقتصادي للقاضي
الإداري، وشكلت محاور مهمة لهذه الدارسة حيث قمنا بتقسيمها إل ى أربع ة
أبواب وأنهيتها بخاتمة.
وقد تناولنا في الباب الأول بيان ماهي ة الدو ر الإنشائ ي للقاض ي
الإداري، مبرزين أهمية القضاء الإداري كمصد ر للقانو ن الإداري، ومد ى
اختلاف دور القاضي الإداري عن دور القاضي المدني ، واختلا ف طبيع ة
وخصوصية المنازعات التي ينظرها كل منهما وأن الخلاف بينهما ليس خلاف ًا
في طبيعة الدور، بل في الدرجة والحرية التي يتمتع بها كل منهما في ممارسته
لدوره، وأن ما يميز القاضي الإداري دوره الأساسي في المحافظة على تحقيق
التوازن بين سلطات الإدارة واحتياجات المرافق العامة، وحماية حقوق الأفراد
وحرياتهم،
كما عرضنا لمظاهر هذه السلطة الإنشائية والتي تمثلت ف ي وض ع
المبادئ العامة للقانون، والقواعد القضائية. وبالنسبة للمبادئ العامة للقانون، فقد
عرضنا لماهيتها ومصدرها، وذكرنا أن هذه المباد ئ غي ر مكتوب ة تج د
مصدرها في القضاء الذي يكشفها ويعلن ع ن إلزاميتها ، وأن عل ي الإدارة
احترامها وعدم الخروج عليها، وأنها تجد أساسها في استنبا ط إرادة المشر ع
والجماعة. كذلك، فقد عرضنا لخصائصها وما تتميز به م ن عمومي ة ف ي
التطبيق، وما تتصف به من استقرار وديمومة ومثالية وسمو ، وذل ك خلاف ًا
للقواعد القضائية وأيضًا، فقد أوردنا لتطبيقات عديدة لها، وأوضحنا موقف الفقه
والقضاء من القيمة القانونية لها.
أما بالنسبة للقاعدة القضائية، فقد تناولنا بيا ن ماهيته ا وخصائصه ا
وتطبيقاتها، وأوضحنا أنها تتصف بالخصوصية، وإن جرى تعميمها في بعض
الحالات المتشابهة. كما أنها غير مستقرة، ولا يوجد ما يمن ع القاض ي م ن
العدول عنها.
كما عرضنا لتطبيقات لبعض القواعد القضائية الت ي استقر ت ف ي
القضاء الإداري وأصبحت تجسد مفهوم المبادئ المهمة، بل إن بعضها أصب ح
يمثل نظرية قضائية، مثل نظرية الظروف الطارئة، ونظري ة الغل ط البين ،
ونظرية الموازنة. كما أشرنا إلى مبدأ النسبية ، ومبد أ حس ن إدارة العدال ة
الإدارية.
وفي الفصل الثاني من هذا الباب تناولنا مبررا ت الدو ر الإنشائ ي
للقاضي الإداري وحريته في تطبيق قاعدة القانون، حيث أشرنا إل ى أن هذ ه
المبررات وثيقة الصلة بوجود قانون وقضاء إداري مستقل، وترتبط باعتبارات
عملية تكمن في خلو نصوص التشريع أو عدم كفايته ا للفص ل ف ي نزا ع
معروض علي القاضي الإداري، كما لا تنفك ع ن تطو ر لوظائ ف الدول ة
وأنشطتها المختلفة لا تسايره نصوص التشريع، ولا تكفي بشأنه قواعد العر ف
مما استوجب قيام القاضي الإداري بدور مبدع وخلاق لمواكبة هذ ا التطور ،
وأن قيامه بهذا الدور في ابتداع الحلول ووضع القواعد القانونية استوجب تمتعه
بحرية كافية لتمكينه من النهوض بوظيفته في رقابة الشرعي ة دون عج ز أو
تخلف، وأن هذه الحرية تتجلي في مظاهر مختلفة عرضنا لأمثلة كثيرة لها.
وفي الباب الثاني من هذه الدراسة عرضنا لدور القاضي الإداري ف ي
التحول الاقتصادي، حيث أشرنا إلى ارتباط هذا الدور بالنظام الاقتصادي السائد
ووفقًا لما إذا كان نظامًا اشتراكيًا أم رأسماليًا، أو نظامًا لاقتصا السوق، وأنه أيًا
كان النظام الاقتصادي المطبق، فإنه يشمل السياسات الاقتصادية بما تتضمن ه
من سياسات مالية ونقدية ومصرفية واستثمارية وغيرها. كم ا يشم ل أيض ًا
التشريعات الاقتصادية التي تشكل الإطار القانوني لهذه السياسات وتلع ب دورًا
محوريًا في حماية حقوق أطراف النشاط الاقتصادي، وهو ما أدى إلى وجو د
قانون اقتصادي مستقل، ونظام عام اقتصادي مما يعكس العلاقة الوثيق ة بي ن
القانون والاقتصاد.
وانطلاقًا من ذلك، فقد عرضنا لدور القاض ي الإداري ف ي التحو ل
الاقتصادي في مصر بدءًا من النظام الاشتراكي بعد عا م ١٩٥٢ ، ومرور ًا
بمرحلتي الانفتاح الاقتصادي، والإصلاح الاقتصادي، وانتهاء باعتما د نظا م
اقتصاد السوق في ظل تطبيق اتفاقيات تحري ر التجار ة العالمية ، وبرام ج
الإصلاح الاقتصادي وما استوجبه هذا التحول من إصدار تشريعات اقتصادي ة
جديدة تواكب هذا التحول. وأوضحنا أن القاضي الإداري لم يكن منعز ً لا ع ن
هذه التطورات الاقتصادية بل واكبها وساندها وأثبت قدرته علي مسايرة هذ ه
التطورات بمهنية عالية، فكان داعمًا منذ البداية لمبدأ حرية التجارة والصناعة،
وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار، وعدم تقييد المنافس ة
الاقتصادية، وأوردنا التطبيقات القضائية العديدة التي واكبت هذ ه التحولا ت
الاقتصادية بما في ذلك الدور المتميز الذي تقوم به دائرة الاستثمار ، ورأين ا
كيف أدت هذه التحولات الاقتصادية إلى وجود منازعات اقتصادية جديدة ف ي
مجالات مختلفة وتتسم بالفنية والتعقيد مثل المنازعا ت الخاص ة بالإغرا ق
والملكية الفكرية، وحرية المنافسة ومنع الاحتكار والهيئة العامة لسوق المال ،
وحماية المستهلك وحماية الصحة والبيئة وغيرها، ورأينا كي ف أن القاض ي
الإداري قد أثبت قدرته الفائقة في التعامل معها بتميز مشهود.
كما عرضنا لدور القاضي الإداري في التحول الاقتصادي في فرنسا ،
وبصفة خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول م ن
القرن الحادي والعشرين، ورأينا كيف ساهم مجلس الدولة الفرنسي في تدعي م
مبدأ حرية العمل والتجارة الذي تقرر منذ صدور القانون رقم ٢ في ١٧ مارس
١٧٩١ ، والحد من القيود التي تفرض علي هذا المبدأ، مؤكد ًا عل ي حمايت ه
لممارسة النشاط الاقتصادي في مجالات الصناعة والتجارة والمهن المختلفة.
كذلك، فقد وقفنا علي كيفية تطور قضاء مجلس الدولة الفرنسي ليواكب
تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، خاصة في فترات التحول لأساليب النشاط
الاقتصادي، وإعادة الهيكلة لكثير من مرافق الدولة، والتي بدت ملامحها العامة
في إصدار قانون التأميم والقوانين الاقتصادية الأخرى مث ل قانو ن التدخ ل
الاقتصادي المحلي والإقليمي، وقانون التخطيط في عام ١٩٨٢ من أجل تخويل
السلطات العامة الصلاحيات المختلفة لمواجهة الأزمة الاقتصادية ، ومشكل ة
البطالة، وتحقيق التوافق مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، واستحداث الوسائل
التي تعكس التوجهات الجديدة للنشاط الاقتصادي.
ومتابعة للتحول الاقتصادي في فرنسا، فقد شهد عقد الثمانينات صدور
قوانين الخصخصة، والمنافسة الاقتصادية عام ١٩٨٦ وغيرهما من القواني ن
اللازمة لتعزيز الدور التدخلي للدولة في ظل نظام الاقتصاد الحر، وه و م ا
تطلب وجود رقابة قضائية فعالة تواكب هذه التطورات الاقتصادية، وما أفرزته
من مشاكل اقتصادية معقدة، وأوردنا تطبيقات عديدة لقضا ء مجل س الدول ة
الفرنسي في المجالات الاقتصادية المختلفة.
وقد خصصنا الباب الثالث من هذه الدارسة لدور القاضي الإداري ف ي
حماية الحقوق والحريات الاقتصادية، وفي مقدمتها حرية العمل وما يتفرع عنها
من حريات أخرى مثل الحرية النقابية وحرية التجار ة والصناعة ، وحري ة
مباشرة النشاط الاقتصادي، وحرية التملك، وذلك تقديرًا لأهمية هذه الحريا ت
وتناميها على المستوى العالمي، وما شهدته من تطور، ولدور هذه الحريات في
مباشرة الحقوق والحريات الأخرى. لذلك فقد عرضنا لمبد أ حري ة العمل ،
والقيود الواردة عليه، خاصة قيد التكليف بالقيام بعمل معين أو وظيفة معينة.
وفيما يتعلق بالحرية النقابية، وهي حرية عزيزة على ك ل عام ل أو
ممارس لمهنة معينة، فقد عرضنا للنقابات المهنية في مصر وفرنسا مؤكدي ن
على طبيعتها القانونية باعتبارها من أشخاص القانون العام سواء م ن ناحي ة
إنشائها بأداة تشريعية، وأن أغراضها وأهدافها ذات نفع عام، وأن له ا سلط ة
تأديبية على أعضائها، ولهؤلاء الأعضاء حق احتكار مهنتهم فلا يجوز لغيرهم
مزاولتها، وأن اشتراك الأعضاء في النقابات أمر حتمي ، كما تناولن ا أيض ًا
موقف مجلس الدولة من المنازعات الخاصة بتشكيلات مجالس إدارة النقابا ت
المهنية، والرقابة القضائية على القيد في جداولها، وتأديب أعضائها، وعرضن ا
لتطبيقات قضائية لهذه المنازعات، ومثيلتها في فرنسا بالنسبة لنقابتي الأطبا
والخبراء المحاسبين كأمثلة لهذه النقابات.
كذلك، فقد عرضنا للنقابات العمالية مبرزين مبدأ حرية الانضمام إليها
بحسبانه مبدءًا دستوريًا أقرته اتفاقيات العمل الدولي ة والدساتي ر الوطنية ،
وموقف القاضي الإداري من المنازعات الخاصة بها ترشيحًا وانتخابًا.
ونظرًا لما تمثله حرية التجارة وحرية مباشرة النشاط الاقتصادي م ن
دور كبير في النشاط الاقتصادي، فقد أوضحنا دور القاضي الإداري في فرنسا
ومصر في حمايتها وعدم فرض قيود عليها إلا بموجب قانون ، ووفق ًا لم ا
يقتضيه النظام العام، وحماية مصالح المستهلكين، ومنع الاحتكار وم ا يكف ل
حرية المنافسة، وعرضنا لتطبيقات عديدة لأحكام كل من مجلس الدول ة ف ي
فرنسا ومصر علي نحو يبرز الدور المميز للقاضي الإداري في حماية الحقوق
والحريات الاقتصادية لدرجة أصبح يوصف فيها القاضي الإداري بأنه قاض ي
اقتصادي.
وفي الفصل الأخير من هذا الباب عالجنا حرية التملك كحرية اقتصادية
أساسية نصت عليها الدساتير الوطنية وكفلت حمايتها ولم تجز المساس به ا إلا
علي سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي ينظمها القانون، وتقتضيه ا وظيفته ا
الاجتماعية. وقد عرضنا للقيود التي ترد عليها مثل نزع الملكية للمنفعة العامة
والاستيلاء، والتأميم وفرض الحراسة، والمصادرة، وذلك مع كفالة التعوي ض
العادل عنها علي نحو ما أبانت عنه أحكام الدستور والقوانين المختلفة المنظمة
لهذه القيود، ومع ضمان الرقابة القضائية علي القرارات المتعلقة بها.
أما الباب الرابع والأخير من هذه الدراسة، فقد خصصناه لبيان طبيع ة
وحدود رقابة القاضي الإداري في المجال الاقتصادي، حيث عرضنا لموق ف
الفقه والقضاء من الطبيعة الخاصة للقواعد الحاكمة للمجال الاقتصادي ، وم ا
تتميز به من فنية وتعقيد، وسرعة وتطور، خاص ة ف ي مجالا ت المنافس ة
الاقتصادية، وأثر الطبيعة الخاصة لهذه القواعد علي طبيعة الرقاب ة القضائي ة
ووسائلها وأدواتها المختلفة، وخاصة ما تعلق منها بالتطبيقات الحديثة لنظريتي
الغلط البين والموازنة، وما ترتب عليهما من اتساع مجال الرقاب ة القضائية ،
والحد من السلطة التقديرية للإدارة، وامتداد هذه الرقاب ة لكثي ر م ن نطا ق
الملاءمة للإدارة. وكما عرضنا للتطبيقات القضائية العديدة في قضاء مجل س
الدولة الفرنسي، وتلك التي أخذ بها مجلس الدول ة المصري ، ومستعرضي ن
مراحل الرقابة القضائية علي القرارات الصادر ة ف ي المجا ل الاقتصاد ي
وتطورها في هذا الشأن، حيث عرضنا للرقابة علي الوجود المادي للوقائ ع ،
ولتكييفها القانوني، وأشرنا إلى الحالات المستثناه من رقابة التكييف القانوني ،
وأوضحنا كيف خضعت معظم هذه الحالات لرقابة القاضي الإداري في ظ ل
تطبيق رقابة الغلط البين، في التكييف والتقدير. واتصا ً لا بذلك، جاءت المرحلة
الأخيرة للرقابة القضائية، وهي الرقابة علي أهمية الوقائع لتعكس امتداد رقاب ة
القاضي الإداري إليها في كثير من المجالات مجاوزًا بذلك النطاق التقليدي الذي
وقفت عنده رقابة الملاءمة والذي ظل مقصورًا على قرارات الضب ط الإداري
في فرنسا، وقرارات الضبط الإداري، والقرارات التأديبية في مصر، وبالتالي،
تكون الكثير من قلاع الملاءمة للسلطة التقديرية، قد دانت للرقاب ة القضائي ة
لتعكس سعيًا حثيثًا، وجهدًا مستمرًا من القاضي الإداري في المجال الاقتصادي
لحماية الحقوق والحريات الاقتصادية، والتغلغل في صميم التقدير الإداري ف ي
هذه المجالات، بل وحتى رقابة اختيار الإدارة لقراراتها تحت تأثي ر تطبي ق
نظرية الغلط البين في التكييف والتقدير التي حظيت بتطبيقاته عديدة في مختلف
المجالات الاقتصادية.
ولا ريب أن هذه التطورات في الرقابة القضائية في المجال الاقتصادي
ما كانت لتتحقق بهذا القدر إلا من خلال دعم ومؤازرة الفق ه الإداري للدو ر
الاقتصادي للقاضي الإداري، فقد جاء دور الفقه معززًا ومساندًا لهذا الدور، ولا
يمكن أن ننكر الصعوبات التي واجهها القاضي الإداري في نهوضه بهذا الدور
وهي صعوبات كثيرة مرجعها التطورا ت السريع ة الت ي تشهده ا الحيا ة
الاقتصادية، وعدم تحدي د الكثي ر م ن المفاهي م والمصطلحا ت القانوني ة
والاقتصادية والمالية علي نحو ما أوضحناه في الباب الرابع من هذه الدارسة.
ولا يفوتني قبل الختام أن أشير إلي أن التطورات الحديثة التي أصابت
الطعن بتجاوز السلطة في فرنسا، وما واكبها من ظهور أدوات قضائية جديد ة
مثل الغلط البين والموازنة، ساهمت في تعزيز الدور المؤثر للقاض ي الإداري
في المجال الاقتصادي، وقدرته علي خلق قاعدة قانونية قادرة عل ي معايش ة
الواقع المعروض في الخصومة بهدف الوصول إلي العدالة المثالية مما اقتضي
استحداث وسائل وأساليب جديدة، مثل فكرة اقتصاد الوسائل، والحد من الأث ر
الرجعي للحكم في حالة الإلغاء إذا تبين له ضررها عل ي المصال ح العام ة
Franc في ١١ مايو ٢٠٠٤ ، وفي قضي ة AC والخاصة مثل حكمه في قضية
٢٠٠٥ وقد شكلت هذه الأحكام تحو ً لا كبيرًا في قضا ء /٢/ في ٢٥ telecom
مجلس الدولة الفرنسي بهدف تحقيق العدالة وتوفير الأمن القانوني مما يجس د
الدور المتميز للقاضي الإداري في المجال الاقتصادي والذي تجلي واضحًا في
مختلف جوانب هذه الدراسة.
ومن الضروري الإشارة إلى أن الطريق إلى إعداد هذه الدراسة لم يكن
سه ً لا ولا ممهدًا، بل كان صعبًا وعسيرًا، ومرد ذلك إلى صعوبة موضوعه ا
وحداثته، ودقة معالجته، وضآلة رصيده الفقهي، وتشعب عناصر ه المختلفة ،
لاتصاله بالمجال الاقتصادي الذي تتسم عناصره بالسرعة والفنية والتعقيد، وأن
قواعد ونظم التدخل للسلطة العامة افتقرت إلى الدقة، وغاب عنه ا الوضو ح
والتحديد، وغالبًا ما كانت تصدر في شكل توجيها ت أو تحد د بأهدافها ، أو
يحددها القضاء.
وفى النهاية ، فقد أكدنا على أهمية الدور الذي يقوم به مجلس الدول ة
المصري الذي أثبت أنه كان وما يزال حص ن الحريا ت ومؤئلها ، ومنه ا
الحريات الاقتصادية التي شكلت جانبًا كبيرًا من هذه الدراسة، وتع د جوه ر
الدور الاقتصادي للقاضي الإداري، وطالبناه بأن يقف وقفة موضوعي ة م ع
قضائه الحالى فى المجال الاقتصادى ليستلهم من خلال هذه الوقفة الموضوعية
التطورات الحديثة التي سبقه إليها مجلس الدول ة الفرنس ي ف ي كثي ر م ن
موضوعات هذه الدارسة، وبصفه خاصة تطبيقه للغل ط البي ن ف ي مختل ف
المجالات الاقتصادية، ونهيب بمجلس الدولة المصري الإسراع بتطبي ق هذ ه
النظرية في المجالات الاقتصادية، بعد أن طبقها في مجالات قليلة ف ي نطا ق
الوظيفة العامة مثل التعيين والتأديب وتقارير الكفاية للموظفين. ولا ري ب أن
هذا الأمر بات ضروريًا لتمكينه من متابعة التطورات الحديثة. ف ي المجا ل
الاقتصادي والذي تتسم قواعده بالسرعة والفنية والتعقيد، وذلك حتى يكون قادرًا
علي استيعاب هذه التطورات وملاحقتها دون عجز أو تخلف.
وفي الختام هذا هو موضوع الدراسة، وقد بذلت في إعدادها ما أعانني
الله عليه، فإن كنت قد وفقت فبعون الله وتوفيقه ونعمه علينا، وإن كان ثمة خطأ
فهو مني واستغفر الله على ما وقع منا من خطأ، واستميحكم العذر في ه فتلك طبيعة البشر