الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص يظل نص مالك بن الريب (ألا ليت شعرى...) للخولص وللعوام نصا لافتا مدهشا يستحق أن تلتف حوله المقاربات والممارسات الحديثة والمعاصرة حيث كانت طبقة السادة تملك كل شيئ وأما طبقة العبيد فلم تكن تملك أى شئ حتى حريتها وأمام هذا الفارق الحاد بين فى الثروة والمكانة الإجتماعية كان من الطبيعى أن يحدث الشقاق الذى يدفع الإنسان المعدم إلى التمرد وقد جاءت الدراسة فى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة ثم الملاحق. ومما يدعو للتعجب أكثر أن هؤلاء الذؤبان الفتاك الهلاك لا يغيرون على أهل الكرم من الأغنياء، ثم إنهم ليعرضون أنفسهم للموت والقتل والهلاك ثم يعودون بما غنموا ليوزعوه على ذوى الحاجة. أى نزعة هذه؟ وأى فلسفة قام عليها منهاج التصعلك؟ بل والأعجب من ذلك أن نجد رج ً لا شريًفا عنده ما يكفيه، ويتكفل برعاية وعناية الصعاليك المعوزين للدرجة التى يلقب عندها ”بأبى الصعاليك” وهو عروة بن الورد الذى كان إذا أجدب الناس ومستهم الضراء أسرعوا إليه، فيحفر لهم الأسراب، ويغدق عليهم الأكناف، ثم يأخذ من قوى منهم، ليغير به ويطعم المرضى الباقين، حتى ليعود الرجل إلى قومه بعد تقسيم الغنائم وقد أستغنى، وعروة بذلك يعبر عن نفس كبيرة فهو لا يغزو للغزو والنهب والسلب كالشنفرى وتأبط شرا، وإنما يغزو ليعين الهلاك والفقراء والمرضى والمستضعفين من قبيلته، والطريف أنه لم يكن يغير على كريم يبذل ماله للناس، بل كان يتخير لغاراته من عرفوا بالشح والبخل ومن لا يمدون يد. ( العون للمحتاج فى قبائلهم). ١ أى شعور هذا الذى يفيض من الصعلوك؟! إنها نزعة رحمة وحب، ودفقات قلب قد قست عليه جميع القلوب، ونفس ترأف لأنها ذاقت مرارة الظلم والحرمان، وأكبر ميزة لعروة بن الورد أنه كان رج ً لا يشعر بالناس أكثر مما يشعر بنفسه واخترع لذلك المعنى، التعبير الفنى الجميل وهو ”أقسم جسمى فى جسوم كثيرة. ( وأحسو قراح الماء والماء بارد”( ٢ إلى هذا الحد بلغ الصعلوك أسمى معانى الرحمة، بل والإشتراكية الساذجة - على حد تعبير شوقى ضيف - التى يتفانى فيها الفرد من أجل بقاء الجماعة، فقد كان صعلوكا شريفا، إستطاع أن يرفع الصعلكة وأن يجعلها ضربا من ضروب السيادة والمروءة، إذ كان يستشعر فى قوة فكره التضامن الإجتماعى وما يطوى فيها من إيثار وبر بالفقراء، فهو لا يسعى لنفسه، فحسب وإنما يسعى قبل كل شىء للمعوزين من عشيرته، حتى يدفع عنهم كل ما يجدون من بؤس وشقاء |